لحسن أدبك ، فنظر إليه الإمام بعطف وحنان وأخذ يغدق عليه من برّه ومعروفه حتى استقام الرجل وتبين له الحق فتبدلت حالته من البغض إلى الولاء وظل ملازما للإمام حتى حضرته الوفاة فأوصى أن يصلي عليه الإمام الباقر (عليهالسلام) (١).
حاكى الإمام بهذه الأخلاق الرفيعة جده الرسول الكريم (صلىاللهعليهوآله) الذي استطاع بخلقه العظيم أن يؤلف بين القلوب ويوحد بين المشاعر ويجمع الناس على كلمة التوحيد مصداقا لقوله تعالى (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(٢).
وأما الصبر فقد كان من الصفات الذاتية للإمام الباقر ، فقد صبر على مكاره الدهر ونوائب الأيام ، وصبر على تجرع الخطوب التي تعجز عنها أمة ، فقد رأى جده الحسين الشهيد وما صنع به وبأفراد عائلته يوم كان صبيا صغيرا ، فكان الصبر رائده لم تنل من عزيمته خطوب الأيام ومحنها ، وقد سجل المؤرخون الصور الكثيرة من صبره وتحمله نذكر منها :
ـ روى المؤرخون عن عظيم صبره : أنه كان جالسا مع أصحابه إذ سمع صيحة عالية في داره ، وأسرع إليه بعض مواليه فأسره فقال الإمام : الحمد لله على ما أعطى وله ما أخذ ، انههم عن البكاء ، وخذوا في جهازه ، واطلبوا السكينة ، وقولوا لتلك الجارية لا ضير عليك أنت حرة لوجه الله لما تداخلك من الروع ... ورجع إلى حديثه ، فتهيب القوم سؤاله ، ثم أقبل غلامه فقال له : قد جهزناه ، فأمر أصحابه بالقيام معه للصلاة على ولده ودفنه ، واخبر أصحابه بشأنه فقال لهم : إنه قد سقط من جارية كانت تحمله فمات (٣).
بهذه الأخلاق تشرفت الإنسانية لما تحمله في داخلها من الديمومة والخلود على الرغم من فناء الحضارات وتدهور الأمم ، فإن التعامل مع هذه المفردات الخلقية يكسبها قيما ترتفع بها إلى مصافي الخلود والبقاء.
__________________
(١) الأمالي ، الشيخ الصدوق ، ٧٢+ بحار الأنوار ، محمد باقر المجلسي ، ١١ / ٦٦+ حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ١٢١.
(٢) آل عمران / ١٥٩.
(٣) مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ / الورقة ٥٢+ عيون الأخبار ، ابن قتيبة ، ٣ / ٥٧.