ـ ومن صور حلمه وصبره أيضا ، ما نقله المؤرخون : إنه كان للإمام الباقر (عليهالسلام) ولد ، وكان أثيرا عليه فمرض ، فخشي على الإمام لشدة حبه له ، وتوفي الولد فسكن صبر الإمام ، فقيل له : خشينا عليك يا بن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فأجاب بالاطمئنان والرضا بقضاء الله قائلا : إنا ندعو الله فيما نحب ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف الله فيما يحب (١).
قد تسلح الإمام الباقر (عليهالسلام) بالصبر وواجه نوائب الدنيا ومصائب الدهر بإرادة صلبة ، وإيمان راسخ ، وتحمل الخطوب في غير ضجر ولا سأم محتسبا في ذلك الأجر عند الله ، هذه هي بعض الصور التي حفلت بها حياة الإمام الباقر (عليهالسلام) وأمثالها سجلنا بعضا منها لكي تتوضح ملامح الحلم والصبر المرتسمة في شخصية هذا الإمام الصابر الحليم.
٤ ـ زهده وتسليمه لأمر الله
كان الإمام الباقر (عليهالسلام) زاهدا في دنياه ، راغبا في آخرته ، لا يأبه بزخارف الدنيا ولا يلتفت إليها ، بل كان شديد الحذر منها ، هاربا من إقبالها ، منذرا من خطر الاستشراف إليها ، فهو لم يتخذ الرياش في داره وإنما كان يفرش في مجلسه حصيرا (٢).
وكان يواسي الفقراء مرة بماله وأخرى بأقواله ، مصبرا لنفسه عليه زهدا وتقربا إلى الله تعالى ، ومما يروى عنه بأسانيد صحيحة في تفسيره لقوله تعالى (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا)(٣) قال : على الفقر في دار الدنيا ، وفي تفسيره لقوله تعالى : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)(٤) قال : بما صبروا على الفقر ومصائب الدنيا (٥).
__________________
(١) المصدر نفسه والصفحة+ المصدر نفسه والصفحة.
(٢) أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ق ١ / ٤ / ٤٧٢.
(٣) الفرقان / ٧٥.
(٤) الإنسان / ١٢.
(٥) حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٢+ الطبقات الكبرى ، الشعراني ، ١ / ٢٨+ شرف الأسباط ، القاسمي ، ٧+ تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٣ / ٣٣٠+ الدر المنثور ، السيوطي ، ٥ / ٨١+ الاختصاص ، الشيخ المفيد ، ١٢٣+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ٢٠٥.