وفي هذا القول كان يحث الإمام على التعفف والصبر والزهد بما في الحياة الدنيا من مباهج وملاذ واحتساب ذلك عند الله سبحانه وتعالى.
كان يحذر من الركون إلى القراء الذين يقفون على أبواب الأغنياء وأصحاب السلطان بما رواه عن الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لأن الوقوف على أمثال هؤلاء ما هو إلا الركون إلى الدنيا وملاذها بأجلى صوره وإن انطوت على بسطاء الناس ، فانظر إليه يطلقها كلمة تكشف القناع عن وجوه أولئك الذين جرفتهم الحياة الدنيا وانغمسوا في ملاذها قائلا : إذا رأيتم القارئ يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا وإذا رأيتموه يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص (١).
ودأب الإمام الباقر (عليهالسلام) كدأب آبائه الكرام على تصغير الدنيا وتحقيرها حتى جعلها لا تساوي شيئا سوى أنها محل ابتلاء للفرد المسلم والجماعة بصيغ متعددة منها أنه كان يقول : كان لي أخ في عيني عظيم وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه (٢).
حاثا في هذا على الزهد والتسليم لأمر الله في السراء والضراء ، ومن أحسن الصور التي رسمها الإمام للدنيا بعد أن تعمق وتبصر في جميع شئونها فزهد فيها وحث المسلمين على ذلك الزهد ، ما رواه جابر الجعفي عنه أنه قال : يا جابر ما الدنيا ، وما عسى أن تكون ، هل هي إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أحببتها ، يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها ، ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ففازوا بثواب الأبرار ، إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة إن نسيت ذكّروك ، وإن ذكرت أعانوك ، قوالين بحق الله ، قوامين بأمر الله ، يا جابر انزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت عنه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت
__________________
(١) حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٣+ البداية والنهاية ، ابن الكثير الدمشقي ، ٩ / ٣١٠.
(٢) صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦٢+ حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٨+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ١٩٥.