حدد الإمام في هذه الوصية المحكية عن أبيه زين العابدين الإطار النظري للقيم الأخلاقية بتأسيس قواعد كلية عامة للمناهج السلوكية المرضية عند الله تبارك وتعالى وعند عامة الناس أيضا وقد وفق أشد التوفيق في ذلك التحديد وهذا العرض ومن خلال التطبيق الفعلي في حياته اليومية لما يوصي به سفيان الثوري وغيره.
خامسا : وصيته لجابر بن يزيد الجعفي
زود الإمام أبو جعفر الباقر (عليهالسلام) تلميذه جابر الجعفي بوصية خالدة ، مميزة على كل وصاياه وعلى كل ما أوصى به موص على طول التاريخ العربي الإسلامي ، حفلت بجميع القيم الأخلاقية الرفيعة والمثل الإنسانية السامية ، التي لو طبقها الإنسان بجزئياتها وجعلها منهجا حياتيا له بكل تفصيلاتها لسمت به سموا جعله من الخالدين ، وسنورد هذه الوصية الرائعة ليتبين لنا أن هذا الإمام كان يحمل كنوزا معرفية جلت عن الوصف.
قال الإمام لجابر الجعفي : أوصيك بخمس ، إن ظلمت فلا تظلم ، وإن خانوك فلا تخن ، وإن كذبت فلا تغضب ، وإن مدحت فلا تفرح ، وإن ذممت فلا تجزع ، وفكر فيما قيل فيك ، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله (عزوجل) عند غضبك من الحق أعظم مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس وإن كنت على خلاف ما قيل فيك فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.
واعلم بأنك لن تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا إنك رجل صالح ، لم يسرك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله فإن كنت سالكا سبيله ، زاهدا في تزهيده ، راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه ، فاثبت وابشر ، فإنه لا يضرك ما قيل فيك ، وإن كنت مباينا للقرآن فما ذا الذي يغرك من نفسك ، إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواه فينعشه الله فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى