وكان الإمام الباقر (عليهالسلام) كثيرا ما ينتهز الفرصة عند تفسيره لبعض الآيات القرآنية ، مستغلا الموقف في استماع الناس لما سيقول في تفسير هذه الآية أو تلك فيجعل من تفسيره على شكل موعظة تفيد الناس في حياتهم ، ففي تفسيره لقوله تعالى : (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ)(١).
قال : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله إلا وحرم الله وجه صاحبها على النار ، فإن سالت على الخدين دموعه لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة ، وما من شيء إلا وله جزاء إلا الدمعة فإن الله تعالى يكفر بها بحور الخطايا (٢).
لقد دعا الإمام الناس إلى البكاء من خشية الله فإنه من علامة الإيمان الصحيح الكاشف عن اتصال العبد بربه وخالقه.
وسئل الإمام يوما عن أشد الناس زهدا؟ فقال : من لا يبالي الدنيا في يد من كانت ، فقيل له : من أخسر الناس صفقة؟ فأجاب : من باع الباقي بالفاني ، فقيل له : من أعظم الناس قدرا؟ فقال : من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا (٣).
ووعظ الإمام يوما بعض أصحابه فقال لهم : إن الله تعالى يقول : يا بن آدم تطولت عليك بثلاث ؛ سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما داروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا ، وجعلت لك نظرة في ثلثك فلم تقدم خيرا (٤).
وهكذا نرى الإمام الباقر (عليهالسلام) يستنطق النصوص القرآنية في وصاياه ومواعظه فيجعل تلك الآيات القرآنية رائدا له في كل ما يعظ به الناس ، ولو أردنا استعراض كل ما أوصى ووعظ به الإمام لما وسعت هذه الصفحات هذا المطلب فآثرنا ذكر بعض النماذج منها والتي ساقها لمعالجة النفوس وتهذيبها ، وكانت هذه الظاهرة التربوية من أبرز القيم في تعاليم هذا الإمام الجليل.
__________________
(١) يونس / ٢٦.
(٢) البداية والنهاية ، ابن كثير الدمشقي ، ٩ / ٣١٢+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ٩٤+ صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦١+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ١٠٤+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ١٩ / ٤٧.
(٣) البيان والتبيين ، الجاحظ ، ٣ / ١٦١ ـ تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي ، ٢ / ٣٢١.
(٤) الخصال ، الشيخ الصدوق ، ١٣١.