فإن المؤمنين بعيسى عليهالسلام في عصره كانوا لقلّتهم يعدّون بالأصابع ، وإنّ نقل معجزاته لا بد وأن ينتهي إلى هؤلاء المؤمنين القليلين في العدد ، فإذا صحّت دعوى التواتر في معجزات موسى وعيسى صحّت دعوى التواتر في معجزات نبي الإسلام بطريق أولى. وقد أوضحنا فيما تقدم أن التواتر في معجزات الأنبياء السابقين غير ثابت في الأزمنة اللاحقة ، ودعواه دعوى باطلة.
الثاني : ان نبي الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أثبت للأنبياء السابقين معجزات كثيرة ، ثم ادّعى أنه هو أفضل هؤلاء الأنبياء جميعا ، وأنه خاتمهم. وهذا يقتضي صدور تلك المعجزات منه على نحو أتم ، فإنه لا يعقل أن يدّعي أحد أنه أفضل من غيره ، وهو يعترف بنقصانه عن ذلك الغير في بعض صفات الكمال. وهل يعقل أن يدّعي أحد أنه أعلم الأطباء جميعا ، وهو يعترف بأن بعض الأطباء الآخرين قادر على معالجة مرض هو غير قادر عليها؟! إن ضرورة العقل تمنع ذلك. ولهذه الجهة نرى أن جملة من المتنبّين الكاذبين قد أنكروا الإعجاز ، وجحدوا كل معجزة للأنبياء السابقين ، وصرفوا اهتمامهم إلى تأويل كل آية دلّت على وقوع الإعجاز ، حذرا من أن يطالبهم الناس بأمثالها فيستبين عجزهم.
وقد كتب بعض الجهلاء ، والمموّهين على البسطاء أن في آيات القرآن ما يدل على نفي كل معجزة للنبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم غير القرآن وأن القرآن هو معجزته الوحيدة ليس غير ، وهو حجته على نبوته. ونحن نذكر هذه الآيات التي احتجوا بها ، ونذكر وجه احتجاجهم ، ثم نوضح فساد ذلك.
فمن هذه الآيات قوله تعالى :
(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) «١٧ : ٥٩».