يصدرها وحين يتركها إلا أن أكثر مبادئ ذلك الفعل خارجة عن دائرة اختياره ، فإن من جملة مبادئ صدور الفعل نفس وجود الإنسان وحياته ، وإدراكه للفعل ، وشوقه اليه ، وملاءمة ذلك الفعل لقوة من قواه ، وقدرته على إيجاده. ومن البيّن أن هذا النوع من المبادئ خارج عن دائرة اختيار الإنسان ، وأن موجد هذه الأشياء في الإنسان هو موجد الإنسان نفسه.
وقد ثبت في محله أن خالق هذه الأشياء في الإنسان لم ينعزل عن خلقه بعد الإيجاد ، وأن بقاء الأشياء واستمرارها في الوجود محتاج إلى المؤثر في كل آن ، وليس مثل خالق الأشياء معها كالبنّاء يقيم الجدار بصنعه ، ثم يستغني الجدار عن بانيه ، ويستمر وجوده وإن فنى صانعه ، أو كمثل الكاتب يحتاج اليه الكتاب في حدوثه ، ثم يستغني عنه في مرحلة بقائه واستمراره. بل مثل خالق الأشياء معها «ولله المثل الأعلى» كتأثير القوة الكهربائية في الضوء. فإن الضوء لا يوجد إلا حين تمده القوة بتيارها ، ولا يزال يفتقر في بقاء وجوده إلى مدد هذه القوّة في كل حين ، فإذا انفصل سلكه عن مصدر القوة في حين ، انعدم الضوء في ذلك الحين كأن لم يكن. وهكذا تستمد الأشياء وجميع الكائنات وجودها من مبدعها الأول في كل وقت من أوقات حدوثها وبقائها ، وهي مفتقرة الى مدده في كل حين ، ومتصلة برحمته الواسعة التي وسعت كل شىءء. وعلى ذلك ففعل العبد وسط بين الجبر والتفويض ، وله حظ من كل منهما. فإن إعمال قدرته في الفعل أو الترك وإن كان باختياره. إلا أن هذه القدرة وسائر المبادئ حين الفعل تفاض من الله ، فالفعل مستند الى العبد من جهة والى الله من جهة اخرى والآيات القرآنية المباركة ناظرة الى هذا المعنى ، وأن اختيار العبد في فعله لا يمنع من نفوذ قدرة الله وسلطانه.