المنفكة عن الذات (١). وبذلك تظهر نكتة تأخير كلمة «الرحيم) عن كلمة «الرحمن» فإن هيئة «الرحمن» تدل على عموم الرحمة وسعتها ولا دلالة لها على أنها لازمة للذات ، فأتت كلمة «الرحيم» بعدها للدلالة على هذا المعنى.
وقد اقتضت بلاغة القرآن أن تشير إلى كلا الهدفين في هذه الآية المباركة ، فالله رحمن قد وسعت رحمته كل شىء وهو رحيم لا تنفك عنه الرحمة.
وقد خفي الأمر على جملة من المفسرين ، فتخيلوا أن كلمة «الرحمن» أوسع معنى من كلمة «الرحيم» بتوهم أن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني. وهذا التعليل ينبغي أن يعد من المضحكات ، فإن دلالة الألفاظ تتبع كيفية وضعها ، ولا صلة لها بكثرة الحروف وقلتها. ورب لفظ قليل الحروف كثير المعنى ، وبخلافه لفظ آخر ، فكلمه حذر تدل على المبالغة دون كلمة حاذر ، وإن كثيرا ما يكون الفعل المجرد والمزيد فيه بمعنى واحد ، كضرّ وأضرّ.
هذا إذا فرضنا أن يكون استعمال كلمة «الرحمن» استعمالا اشتقاقيا وأما بناء على كونها من أسماء الله تعالى وبمنزلة القلب له نقلا عن معناها اللغوي ـ وقد تقدم إثبات ذلك ـ فإن في تعقيبها بكلمة «الرحيم» زيادة على ما ذكر إشارة إلى سبب النقل ، وهو اتصافه تعالى بالرحمة الواسعة.
هل البسملة من القرآن؟
اتفقت الشيعة الإمامية على أن البسملة آية من كل سورة بدأت بها ، وذهب اليه ابن عباس ، وابن المبارك ، وأهل مكة كابن كثير ، وأهل الكوفة كعاصم ،
__________________
(١) مر ذلك في الصفحة ٤٣٠ من هذا الكتاب.