والحفظ (١). وفي ظني أن الذي حمله على ارتكاب هذا التفسير هو ما ذكرناه من لزوم التواتر في القرآن. وعلى كل حال فهذا التفسير واضح الفساد من جهات :
أما أولا : فلمخالفته صريح تلك الروايات في جمع القرآن ، وقد سمعتها.
وأما ثانيا : فلأنّ هذا التفسير يلزمه أنهم لم يكتبوا ما ثبت أنه من القرآن بالتواتر ، إذا لم يكن مكتوبا عند أحد ، ومعنى ذلك أنهم أسقطوا من القرآن ما ثبت بالتواتر أنه من القرآن.
وأما ثالثا : فلأنّ الكتابة والحفظ لا يحتاج إليهما إذا كان ما يراد كتابته متواترا ، وهما لا يثبتان كونه من القرآن ، إذا لم يكن متواترا. وعلى كل حال فلا فائدة في جعلهما شرطا في جمع القرآن.
وعلى الجملة لا بد من طرح هذه الروايات ، لأنها تدل على ثبوت القرآن بغير التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين. /
٦ ـ أحاديث الجمع والتحريف بالزيادة!
أن هذه الروايات لو صحت ، وأمكن الاستدلال بها على التحريف من جهة النقص ، لكان اللّازم على المستدل أن يقول بالتحريف من جهة الزيادة في القرآن أيضا ، لأن كيفية الجمع المذكورة تستلزم ذلك ، ولا يمكن له أن يعتذر عن ذلك بأن حد الإعجاز في بلاغة القرآن يمنع من الزيادة عليه ، فلا تقاس الزيادة على النقيصة ، وذلك لأن الإعجاز في بلاغة القرآن وإن كان يمنع عن الإتيان بمثل سورة من سوره ، ولكنه لا يمنع من الزيادة عليه بكلمة أو بكلمتين ، بل ولا بآية كاملة ، ولا سيما إذا كانت قصيرة ، ولو لا هذا الاحتمال لم تكن حاجة إلى شهادة شاهدين ، كما في روايات
__________________
(١) الإتقان : ص ١٠٠ ، النوع ١٨.