من وليّ الأمر من بعده أن يرتبوا آثار الإسلام على من يشهد بذلك؟ فهل روى أحد أن الرسول أو غيره ممن قام مقامه سأل أحدا عن حدوث القرآن وقدمه ، أو عما سواه من المسائل الخلافية ، ولم يحكم بإسلامه إلا بعد أن يقرّ بأحد طرفي الخلاف؟!!
ولست أدري ـ وليتني كنت أدري ـ بما ذا يعتذر من ألقى الخلاف بين المسلمين وبم يجيب ربه يوم يلاقيه ، فيسأله عما ارتكب؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وقد حدثت هذه المسألة ـ حدوث القرآن وقدمه ـ بعد انشعاب المسلمين شعبتين : أشعري وغير أشعري. فقالت الأشاعرة بقدم القرآن ، وبأن الكلام على قسمين : لفظي ونفسي ، وأن كلام الله النفسي قائم بذاته وقديم بقدمه وهو إحدى صفاته الذاتية. وذهبت المعتزلة والعدلية إلى حدوث القرآن ، وإلى انحصار الكلام في اللفظي ، وإلى أن التكلم من الصفات الفعلية.
صفات الله الذاتية والفعلية :
والفارق بين صفات الله الذاتية وصفاته الفعلية أن صفات الله الذاتية هي التي يستحيل أن يتصف سبحانه بنقيضها أبدا. إذا فهي التي لا يصح سلبها عنه في حال. ومثال ذلك : العلم والقدرة والحياة ، فالله تبارك وتقدّس لم يزل ولا يزال عالما قادرا حيّا ، ويستحيل أن لا يكون كذلك في حال من الأحوال.
وأن صفاته الفعلية هي التي يمكن أن يتصف بها في حال وبنقيضها في حال آخر.
ومثال ذلك : الخلق والرزق ، فيقال : إن الله خلق كذا ولم يخلق كذا ، ورزق فلانا ولدا ولم يرزقه مالا. وبهذا يظهر جليا أن التكلم إنما هو من الصفات الفعلية ، فإنه يقال : كلّم الله موسى ولم يكلّم فرعون ، ويقال : كلّم الله موسى في جبل طور ولم يكلّمه في بحر النيل.