وإذ قد عرفت أن القرآن معجزة إلهية ، في بلاغته وأسلوبه فاعلم أن اعجازه لا ينحصر في ذلك ، بل هو معجزة ربانية ، وبرهان صدق على نبوة من انزل اليه من جهات شتى ، فيحسن بنا أن نتعرض الى جملة منها على نحو الاختصار :
١ ـ القرآن والمعارف :
صرّح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم أمّي ، وقد جهر النبي بهذه الدعوى بين ملأ من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم ، وتربّى في أوساطهم ، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى ، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أمّيته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة ، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الإسلام إلى هذا اليوم ، وسيبقى موضعا لدهشة المفكرين ، وحيرتهم إلى اليوم الأخير ، وهذا من أعظم نواحي الإعجاز.
ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى ، ولنفرض أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن أمّيّا ، ولنتصوره قد تلقّن المعارف ، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم ، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بينهم ، منهم وثنيون يعتقدون بالأوهام ، ويؤمنون بالخرافات ، وذلك ظاهر. ومنهم كتابيون يأخذون معارفهم وتأريخهم ، وأحكامهم من كتب العهدين التي ينسبونها إلى الوحي ، ويعزونها إلى الأنبياء. وإذا فرضنا أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذ تعاليمه من أهل عصره ، أفليس لازم هذا أن ينعكس على أقواله ومعارفه ظلال هذه العقائد التي اكتسبها من معلميه ومرشديه ومن هذه الكتب التي كانت مصدر ثقافته وعلومه؟ ونحن نرى مخالفة القرآن لكتب العهدين في جميع النواحي ، وتنزيهه