وغيرهم. فلو كان أحد هؤلاء الكتابيين ، أو غيرهم قادرا على الإتيان بمثل القرآن ، لأظهره في مقام الاحتجاج.
ثالثا : إن الخوف لو سلم وجوده فهو إنما يمنع عن إظهار المعارضة والمجاهرة بها ، فما الذي منع الكتابيين ، أو غيرهم من معارضته سرّا في بيوتهم ومجامعهم؟ ولو ثبتت هذه المعارضة لتحفّظ بها الكتابيون ليظهروها بعد زوال الخوف عنهم ، كما تحفظوا على قصص العهدين الخرافية ، وسائر ما يرتبط بدينهم.
رابعا : إن الكلام ـ وإن ارتفع مقامه من حيث البلاغة ـ إلا أن المعهود من الطباع البشرية أنه إذا كرر على الأسماع هبط عن مقامه الأول ، ولذلك نرى أن القصيدة البليغة إذا أعيدت على الإنسان مرارا ملّها ، واشمأزّت نفسه منها ، فإذا سمع قصيدة أخرى فقد يتراءى له في اوّل نظرة انّها أبلغ من القصيدة الاولى ، فإذا كررت الثانية أيضا ظهر الفرق الحقيقي بين القصيدتين. وهذا جار في جميع ما يلتذ به الإنسان ، ويدرك حسنه من مأكول ، وملبوس ومسموع وغيرها. والقرآن لو لم يكن معجزا لكان اللازم أن يجري على هذا المقياس ، وينحطّ في نفوس السامعين عن مقامه الأول ، مهما طال به الزمان وطرأ عليه التكرار ، وبذلك تسهل معارضته ، ولكنا نرى القرآن على كثرة تكراره وترديده ، لا يزداد إلا حسنا وبهجة ، ولا يثمر إلا عرفانا ويقينا ، ولا ينتج إلا إيمانا وتصديقا ، فهو في هذه المزية على عكس الكلام المألوف. وإذن فهذا الوجه يؤكد إعجازه لا أنه ينافيه كما يتوهمه هذا الخصم.
خامسا : ان التكرار لو فرض أنه يوجب انس النفوس به ، وانصرافها عن معارضته ، فهو إنما يتم عند المسلمين الذين يصدقون به ، ويستمعون اليه برغبة