أحوال الماضين فيعتبر بهم. ويستفيد من الأخلاق الفاضلة ، والمعارف العالية ، ويتعلم جانبا من أحكامه في عباداته ومعاملاته. كل ذلك مع حفظ نظام الكلام ، وتوفية حقوق البيان ، ورعاية مقتضى الحال. وهذه الفوائد لا يمكن حصولها من القرآن إذا كان مبوّبا ، لأن القارئ لا يحيط بأغراض القرآن إلا حين يتم تلاوة القرآن جميعه ، وقد يعوقه عائق عن الإتمام فلا يستفيد إلا من باب أو بابين.
ولعمري أن هذه إحدى الجهات المحسنة لأسلوب القرآن ، الذي حاز به الجمال والبهاء ، فإنه مع انتقاله من موضوع إلى موضوع يتحفظ على كمال الربط بينهما ، كأنّ كل جملة منه درة في عقد منتظم ، ولكن بغض الإسلام أعمى بصر هذا المستشكل وأصم سمعه ، حتى توهم الجمال قبحا ، والمحاسن مساوئ. على أن القرآن قد كرر بعض القصص مرارا بعبارات مختلفة ، حسب المناسبات المقتضية للتكرار ، فلو جمعت تلك العبارات كلها في باب واحد لانتفت تلك الفائدة الملحوظة ، وكان التكرار لغير فائدة ملموسة للقارئ.
سخافات وخرافات :
ذكر كاتب رسالة «حسن الإيجاز» (١) في رسالته هذه أنه يمكن معارضة القرآن بمثله ، وذكر جملا اقتبسها من نفس القرآن ، وحوّر بعض ألفاظها وزعم أنه يعارض بها القرآن ، فأظهر مبلغه من العلم ، ومقدار معرفته بفنون البلاغة وهنا نذكر للقارئ تلك العبارات ، ونوضح له وجوه الفساد في المعارضة الوهمية وقد تعرضنا لها في
__________________
(١) كتيب صدر من المطبعة الانكليزية الأمريكية ببولاق مصر سنة ١٩١٢.