كتابنا «نفحات الإعجاز» (١).
ذكر هذا المتوهم في معارضة سورة الفاتحة قوله : «الحمد للرحمن رب الأكوان ، الملك الديان ، لك العبادة ، وبك المستعان ، اهدنا صراط الإيمان» وتخيل أن قوله هذا واف بجميع معاني سورة الفاتحة ، مع أنه أخصر منها.
ولست أدري ما ذا أقول لكاتب هذه الجمل ، وهو بهذا المقدار من التمييز بين غث الكلام وسمينه؟! وليته عرض قوله هذا على علماء النصارى العارفين منهم بأساليب الكلام ، وفنون البلاغة قبل أن يفضح نفسه بهذه الدعوى ، أو لم يشعر بأن المألوف في معارضة كلام بمثله ، أن يأتي الشاعر أو الكاتب بكلام يتحد مع الكلام المعارض في جهة من الجهات أو غرض من الأغراض ، ولكنّه يأتي بكلام مستقل في ألفاظه وتركيبه وأسلوبه؟ وليس معنى المعارضة أن يقلد الكلام المعارض في تركيبه وأسلوبه ، ويتصرف فيه بتبديل بعض ألفاظه ببعض ، وإلا لأمكنت معارضة كل كلام بهذا النحو من المعارضة. وقد كان أيسر شىء لمعاصري النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من العرب ، ولكنهم لمعرفتهم بمعنى المعارضة الصحيحة ومعرفتهم بوجوه البلاغة في القرآن لم تمكنهم المعارضة ، واعترفوا بالعجز فآمن به من آمن منهم وجحد به من جحد :
(فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) «٧٤ : ٢٤».
على أنه كيف تصح المقايسة بين جمله هذه التي أتعب بها نفسه ، وبين فاتحة الكتاب حتى يتوهم أنها وافية بمعناها؟ أو لم يكف هذا الكاتب جهله بفنون البلاغة حتى دل الناس على عيوبه بالجهر بها؟!! وكيف تصح المقايسة بين قوله «الحمد
__________________
(١) كتبناه ردا على «حسن الإيجاز» طبع في المطبعة العلوية في النجف الأشرف سنة ١٣٤٢. (المؤلف)