فيظهر المعجزة على يد الكاذب.
رابعا : إن العادة من الأمور الحادثة التي تحصل من تكرر العمل ، وهو يحتاج الى مضي زمان. وعلى هذا فما هي الحجة على ثبوت النبوة الاولى الثابتة قبل أن تستقر هذه العادة؟ وسنتعرض لأقوال الأشعريين فيما يأتي ، ونوضح وجوه فسادها.
خير المعجزات ما شابه أرقى فنون العصر :
المعجز ـ كما عرفت ـ هو ما يخرق نواميس الطبيعة ، ويعجز عنه سائر أفراد البشر إذا أتى به المدعي شاهدا على سفارة إلهية. ومما لا يرتاب فيه أن معرفة ذلك تختص بعلماء الصنعة التي يشابهها ذلك المعجز ، فإن علماء أي صنعة أعرف بخصوصياتها ، وأكثر إحاطة بمزاياها ، فهم يميزون بين ما يعجز البشر عن الإتيان بمثله وبين ما يمكنهم. ولذلك فالعلماء أسرع تصديقا بالمعجز. أما الجاهل فباب الشك عنده مفتوح على مصراعيه ما دام جاهلا بمبادئ الصنعة ، وما دام يحتمل أن المدعي قد اعتمد على مبادئ معلومة عند الخاصة من أهل تلك الصنعة ، فيكون متباطئا عن الإذعان. ولذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن يخص كل نبي بمعجزة تشابه الصنعة المعروفة في زمانه ، والتي يكثر العلماء بها من أهل عصره ، فإنه أسرع للتصديق وأقوم للحجة ، فكان من الحكمة أن يخص موسى عليهالسلام بالعصا واليد البيضاء لما شاع السحر في زمانه وكثر الساحرون. ولذلك كانت السحرة أسرع الناس الى تصديق ذلك البرهان والإذعان به ، حين رأوا العصا تنقلب ثعبانا ، وتلقف ما يأفكون ثم ترجع الى حالتها الاولى. رأى علماء السحر ذلك فعلموا أنه خارج عن حدود السحر وآمنوا بأنه معجزة إلهية. وأعلنوا إيمانهم في مجلس فرعون ولم يعبئوا بسخط فرعون ولا بوعيده.