ولكن دلالة المعجز على صدق مدعي النبوة متوقفة على القول بأن العقل يحكم بالحسن والقبح. أما الأشاعرة الذين ينكرون هذا القول ، ويمنعون حكم العقل بذلك فلا بد لهم من سدّ باب التصديق بالنبوة. وهذا أحد مفاسد هذا القول ، وإنما لزم من قولهم هذا سدّ باب التصديق بالنبوة ، لأن المعجز إنما يكون دليلا على صدق النبوة إذا قبح في العقل أن يظهر المعجز على يد الكاذب وإذا لم يحكم العقل بذلك لم يستطع أحد أن يميز بين الصادق والكاذب.
وقد أجاب «الفضل بن روزبهان» عن هذا الإشكال بأن فعل القبيح وإن كان ممكنا على الله تعالى ، ولكن عادة الله قد جرت على تخصيص المعجزة بالصادق ، فلا تظهر معجزة على يد الكاذب ، ولا يلزم سدّ باب التصديق بالنبوة على قول الأشعريين. وهذا الجواب بيّن الضعف ، متفكك العرى.
أولا : إن عادة الله التي يخبر عنها «ابن روزبهان» ليست من الأمور التي تدرك بالحس ، ويقع عليها السمع والبصر ، فينحصر طريق العلم بها بالعقل ، وإذا امتنع على العقل أن يحكم بالحسن والقبح ـ كما يراه الأشعري ـ لم يكن لأحد أن يعلم باستقرار هذه العادة لله تعالى.
ثانيا : إن إثبات هذه العادة يتوقف على تصديق الأنبياء السابقين ، الذين جاءوا بالمعجزات حتى نعلم أن عادة الله قد استقرت على تخصيص المعجزة بالصادق. أما المنكرون لتلك النبوات ، أو المشككون فيها فلا طريق لهم إلى إثبات هذه العادة التي يدعيها «ابن روزبهان» فلا تقوم عليهم الحجة بالمعجزة.
ثالثا : إذا تساوى الفعل والترك في نظر العقل ، ولم يحكم في ذلك بقبح ولا حسن ، فأي مانع يمنع الله أن يغير عادته؟ وهو القادر المطلق الذي لا يسأل عما يفعل ،