وقد يعترض :
أنه كيف جعل الله الحكم المذكور «وجوب التصديق بين يدي النجوى» مع علمه منذ الأزل بوقوع المانع!.
والجواب :
ان في جعل هذا الحكم ثم نسخه ـ كما فعله الله سبحانه ـ تنبيها للامة ، وإتماما للحجة عليهم. فقد ظهر لهم ولغيرهم بذلك أن الصحابة كلهم آثروا المال على مناجاة الرسول الأكرم ، ولم يعمل بالحكم غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام. وترك المناجاة وإن لم يكن معصية لله سبحانه ، لأن المناجاة بنفسها لم تكن واجبة ، ووجوب الصدقة كان مشروطا بالنجوى ، فإذا لم تحصل النجوى فلا وجوب للصدقة ولا معصية في ترك المناجاة ، إلا أنه يدل على أن من ترك المناجاة يهتم بالمال أكثر من اهتمامه بها.
حكمة تشريع صدقة النجوى :
وفي نسخ هذا الحكم بعد وضعه ظهرت حكمة التشريع ، وانكشفت منّة الله على عباده وبان عدم اهتمام المسلمين بمناجاة النبي الأكرم ، وعرف مقام أمير المؤمنين عليهالسلام من بينهم. وهذا الذي ذكرناه يقتضيه ظاهر الكتاب ، وتدل عليه أكثر الروايات وأما إذا كان الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى أمرا صوريا امتحانيا ـ كأمر إبراهيم بذبح ولده ـ فالآية الثانية لا تكون ناسخة للآية الاولى نسخا اصطلاحيا ، بل يصدق على رفع ذلك الحكم الامتحاني : النسخ بالمعنى اللغوي :
ونقل الرازي عن أبي مسلم : أنه جزم بكون الأمر امتحانيا ، لتمييز من أمن إيمانا