كانت إحدى الآيتين قرينة عرفية على بيان المراد من الآية الأخرى ، كالخاص بالنسبة إلى العام ، وكالمقيد بالإضافة إلى المطلق ، والتزموا بالنسخ في هذه الموارد وما يشبهها ، ومنشأ هذا قلة التدبر ، أو التسامح في إطلاق لفظ النسخ بمناسبة معناه اللغوي ، واستعماله في ذلك وإن كان شائعا قبل تحقق المعنى المصطلح عليه ، ولكن إطلاقه ـ بعد ذلك ـ مبني على التسامح لا محالة.
مناقشة الآيات المدعى نسخها :
وعلى كل فلا بد لنا من الكلام في الآيات التي ادعي النسخ فيها. ونذكر منها ما كان في معرفة وقوع النسخ فيه وعدم وقوعه غموض في الجملة. أما ما كان عدم النسخ فيه ظاهرا ـ بعد ما قدّمناه ـ فلا نتعرض له في المقام «وسنتعرض لذلك عند تفسيرنا الآيات إن شاء الله تعالى».
وليكن كلامنا في الآيات على حسب ترتيبها في القرآن الكريم :
١ ـ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) «٢ : ١٠٩».
فعن ابن عباس وقتادة والسدي ، أنها منسوخة بآية السيف. واختاره أبو جعفر النحاس (١). وآية السيف هو قوله تعالى :
(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ
__________________
(١) راجع «الناسخ والمنسوخ» ص ٢٦ ، طبع المكتبة العلامية بمصر.