وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) «٩ : ٢٩».
والالتزام بالنسخ ـ هنا ـ يتوقف على الالتزام بأمرين فاسدين :
الأول : أن يكون ارتفاع الحكم الموقت بانتهاء وقته نسخا ، وهذا واضح الفساد ، فإن النسخ إنما يكون في الحكم الذي لم يصرّح فيه لا بالتوقيت ولا بالتأييد. فإن الحكم إذا كان موقتا ـ وإن كان توقيته على سبيل الإجمال ـ كان الدليل الموضح لوقته ، والمبين لانتهائه من القرائن الموضحة للمراد عرفا ، وليس هذا من النسخ في شيء. فإن النسخ هو رفع الحكم الثابت الظاهر بمقتضى الإطلاق في الدوام وعدم الاختصاص بزمان مخصوص.
وقد توهم الرازي أن من النسخ بيان الوقت في الحكم الموقت بدليل منفصل وهو قول بيّن الفساد ، وأما الحكم الذي صرح فيه بالتأييد ، فعدم وقوع النسخ فيه ظاهر.
الثاني : أن يكون أهل الكتاب أيضا ممن أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقتالهم ، وذلك باطل ، فإن الآيات القرآنية الآمرة بالقتال إنما وردت في جهاد المشركين ودعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر. وأما أهل الكتاب فلا يجوز قتالهم إلا مع وجود سبب آخر من قتالهم للمسلمين ، لقوله تعالى :
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) «٢ : ١٩٠».
أو إلقائهم الفتنة بين المسلمين ، لقوله تعالى بعد ذلك :
(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) «٢ : ١٩١».