أو امتناعهم عن إعطاء الجزية للآية المتقدمة ، وأما مع عدم وجود سبب آخر فلا يجوز قتالهم لمجرد الكفر ، كما هو صريح الآية الكريمة.
وحاصل ذلك : أن الأمر في الآية المباركة بالعفو والصفح عن الكتابيين ، لأنهم يودّون أن يردّوا المسلمين كفارا ـ وهذا لازم عادي لكفرهم ـ لا ينافيه الأمر بقتالهم عند وجود سبب آخر يقتضيه ، على أن متوهم النسخ في الآية الكريمة قد حمل لفظ الأمر من قوله تعالى :
(حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) «٢ : ١٠٩».
على الطلب ، فتوهم أن الله أمر بالعفو عن الكفار إلى أن يأمر المسلمين بقتالهم فحمله على النسخ.
وقد اتضح للقارئ أن هذا ـ على فرض صحته ـ لا يستلزم النسخ ولكن هذا التوهم ساقط ، فإن المراد بالأمر هنا الأمر التكويني وقضاء الله تعالى في خلقه ، ويدل على ذلك تعلق الإتيان به ، وقوله تعالى بعد ذلك :
(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) «٢ : ١٠٩».
وحاصل معنى الآية الأمر بالعفو والصفح عن الكتابيين بودّهم هذا ، حتى يفعل الله ما يشاء في خلقه من عز الإسلام ، وتقوية شوكته ، ودخول كثير من الكفار في الإسلام ، وإهلاك كثير من غيرهم ، وعذابهم في الآخرة ، وغير ذلك مما يأتي الله به من قضائه وقدره.
٢ ـ (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) «٢ : ١١٥».