«يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا الى برك الغماد ـ يعني مدينة الحبشة ـ لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خيرا ، ودعا له بخير» (١).
هذا واحد من المسلمين ، يعرب عن عقيدته وعزمه ، وتفانيه في إحياء الحق ، وإماتة الشرك. وكان الكثير منهم على هذه العقيدة ، متذرعين بالإخلاص.
إن القرآن هو الذي نوّر قلوب أولئك العاكفين على الأصنام ، المشتغلين بالحروب الداخلية والمفاخرات الجاهلية ، فجعلهم أشدّاء ، على الكفار رحماء بينهم. يؤثر أحدهم حياة صاحبه على نفسه ، فحصل للمسلمين بفضل الإسلام من فتوح البلدان في ثمانين سنة ما لم يحصل لغيرهم في ثمانمائة سنة. ومن قارن بين سيرة أصحاب النبي وسيرة أصحاب الأنبياء السابقين علم أن في ذلك سرا إلهيا ، وأن مبدأ هذا السر هو كتاب الله الذي أشرق على النفوس ، وطهّر القلوب والأرواح بسموّ العقيدة ، وثبات المبدأ.
انظر الى تاريخ الحواريين ، والى تاريخ غيرهم من أصحاب الأنبياء تعلم كيف كانوا. كانوا يخذلون أنبياءهم عند الشدائد ، ويسلمونهم عند خشية الهلاك!! ولذلك لم يكن لاولئك الأنبياء تقدم على طواغيت زمانهم بل كانوا يتسترون عنهم بالكهوف والأودية. هذه هي الخاصة الثانية التي تفضل القرآن على سائر المعجزات.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٢ / ١٤٠ ، غزوة بدر.