على السلف. وقد نتج لنا عما قدمناه أمران :
الأول : تفوّق القرآن على جميع المعجزات التي ثبتت للأنبياء السابقين ، وعلى المعجزات الاخرى التي ثبتت لنبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لكون القرآن باقيا خالدا ، وكون إعجازه مستمرا يسمع الأجيال ويحتج على القرون.
الثاني : إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة ، والدليل على انتهائها هو انتهاء أمد حجتها وبرهانها ، لانقطاع زمان المعجزة التي شهدت بصدقها. (١)
ثم ان القرآن يختص بخاصة اخرى ، وبها يتفوق على جميع المعجزات التي جاء بها الأنبياء السابقون ، وهذه الخاصة هي تكفله بهداية البشر (٢) ، وسوقهم إلى غاية كما لهم. فإن القرآن هو المرشد الذي أرشد العرب الجفاة الطغاة ، المعتنقين أقبح العادات والعاكفين على الأصنام ، والمشتغلين ـ عن تحصيل المعارف وتهذيب النفوس ـ بالحروب الداخلية ، والمفاخرات الجاهلية فتكونت منهم ـ في مدة يسيرة ـ امة ذات خطر في معارفها ، وذات عظمة في تاريخها ، وذات سموّ في عاداتها. ومن نظر في تاريخ الإسلام وسبر تراجم أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المستشهدين بين يديه ، ظهرت له عظمة القرآن في بليغ هدايته ، كبير أثره ، فإنه هو الذي أخرجهم من حضيض الجاهلية إلى أعلى مراتب العلم والكمال ، وجعلهم يتفانون في سبيل الدين وإحياء الشريعة ، ولا يعبئون بما تركوا من مال وولد وأزواج.
وإن كلمة المقداد لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين شاور المسلمين في الخروج إلى بدر شاهد عدل على ما قلنا :
__________________
(١) انظر في قسم التعليقات محادثة علمية جرت بين المؤلف وبين حبر يهودي يتصل بهذا الموضوع برقم (٤).
(٢) انظر قسم التعليقات لمعرفة الحاجة الى ترجمة القرآن وشروطها برقم (٥).