٨٨ ـ (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) حال ، والمراد بالمنافقين هنا من بقي منهم في دار الكفر ، ولم يهاجر من مكة إلى المدينة بدليل قوله تعالى : (حَتَّى يُهاجِرُوا) وقد اختلف الصحابة في شأن هؤلاء ، فئة ترى أن يعملوا باللين ، وفئة بالشدة والقسوة ، فقال سبحانه : لا ينبغي الإختلاف والشك في أمرهم ، لأن الله سبحانه قد تخلى عنهم.
(وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) والركس والنكس : التحول من سيء إلى أسوأ ، والمعنى أن الله تعالى رد حكمهم من السكوت عنهم إلى إعلان الحرب عليهم (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي أن تجعلوا الضال عند الله وبحكمه مهتديا عندكم وبحكمكم (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) من يحكم عليه بالضلال (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) للنجاة حتى ولو قال كل أهل الأرض أنه من المهتدين.
٨٩ ـ (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) كل ناقص وضال يكره من يتصف بالفضل والكمال ، ويود أن يكون جميع الناس على شاكلته (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ) أصدقاء ، وتقيموا معهم صلات وعلاقات (حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي هجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام خالصة لوجه الله مهما كانت التضحيات (فَإِنْ تَوَلَّوْا) وامتنعوا عن الهجرة (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ ...) لأنهم يعلنون الإسلام والمودة للمسلمين ، ويكتمون البغضاء ، ويتآمرون مع الأعداء.
٩٠ ـ (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) هذا استثناء من قتلهم لمن يلتجئ من أولئك المنافقين إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد موادعة ومهادنة. (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ضاقت صدورهم وقلوبهم عن القتال وكرهوا (أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) منفردين أو منضمين إلى أعدائكم (أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) من أجلكم ، فدعوهم ولا تقتلوهم ، وبكلمة لا سبيل لكم أيها المسلمين على من وقف منكم موقف المحايد ، لا لكم ولا عليكم (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) إنه تعالى هو الذي ألقى الرعب منكم في قلوب هؤلاء المحايدين وإلا (فَلَقاتَلُوكُمْ) منفردين أو منضمين إلى أعدائكم (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أي ما داموا مسالمين غير مقاتلين (فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس.
٩١ ـ (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) أيها المسلمون (وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) المشركين ، كان بعض العرب إذا جاءوا إلى المدينة لبعض حاجاتهم أظهروا الإسلام خوفا حتى إذا رجعوا إلى أهلهم أعلنوا الشرك (كُلَّما رُدُّوا