إِلَى الْفِتْنَةِ) أي الشرك (أُرْكِسُوا فِيها) والركس : رد الشيء مقلوبا ، والمعنى كانوا على الشرك فأظهروا الإسلام ، فدعاهم قومهم المشركون إلى العودة فعادوا (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ) تماما كما يقاتلونكم ، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين.
٩٢ ـ (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) أو يبيح دمه لا لشيء إلا لأنه على خلاف رأيه ومذهبه ، لأن الحدود تدرأ بالشبهات ، وهذا أصل من أصول الإسلام (إِلَّا خَطَأً) من غير قصد كمن رمى حيوانا فأصاب إنسانا (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) فعليه أن يكفر بعتق نسمة ، ويوحي هذا التكفير بأن القتل ، وإن كان خطأ ، فإنه ليس كسائر الأخطاء التي تمر بلا تغليظ وتشديد (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) مقبوضة لأولياء المقتول ، فإن شاءوا طالبوا بها ، وإن شاءوا أسقطوها عن القاتل ، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) بالدية (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) محاربين للمسلمين (وَهُوَ) المقتول (مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ولا دية لأهله ، ومحصل المعنى أن المسلم إذا قتل شخصا باعتقاد أنه كافر ، ثم تبين أنه مسلم ـ فلا شيء عليه عتق نسمة ، وتسقط عنه الدية (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) أما إذا كان المسلم المقتول خطأ من قوم غير مسلمين ، ولكنهم غير محاربين لأن بينهم وبين المسلمين عهد المسالمة ، فإن الدية تعطى لأهل المقتول. (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وأيضا على هذا القاتل أن يعتق نسمة إضافية إلى الدية (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) عجز عن العتق (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) عوضا عن العتق (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) مفعول من أجله أي شرعت الكفارة لتوبة الجاني عما صدر منه.
٩٣ ـ (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) لا جرم عند الله تعالى يوازي قتل النفس البريئة عن عمد إلا الشرك ، وبخاصة إذا كانت مؤمنة مخلصة ، والآية نص في ذلك حيث ذكرت الخلود في جهنم واللعنة والغضب وأعداد العذاب العظيم لما في هذه الجريمة من هدم لبنيان بناه الله ، ومن هنا ذهب أكثر من واحد إلى أن الله يقبل التوبة من المشرك ولا يقبلها من القاتل المتعمد. وليس هذا ببعيد لأن الشرك حق لله ، وقتل العمد حق للناس.
٩٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ) سافرتم (فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) تبينوا ولا تعجلوا في القتل (وَلا