عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) يشير سبحانه بهذا إلى ما حدث للنبي (ص) والصحابة سنة ست للهجرة ، مع المشركين يوم الحديبية ، وتأتي القصة في سورة الفتح (أَنْ تَعْتَدُوا) لا تحملنكم عداوة المشركين على الاعتداء عليهم (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) وموضوع هذه الآية التكافل الاجتماعي ، وإن القوي مسؤول عن الضعيف ، والغني عن الفقير. ، والعالم عن الجاهل ، واولي الشأن عن إصلاح ذات البين.
٣ ـ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) هذه المحرمات الأربعة تقدمت في الآية ١٧٣ من البقرة (وَالْمُنْخَنِقَةُ) التي تموت خنقا (وَالْمَوْقُوذَةُ) والمضروبة بعصا أو حجر وما أشبه (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) الساقطة إلى أسفل (وَالنَّطِيحَةُ) نطحتها بهيمة أخرى (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) أي ما تبقى من فريسة الحيوان أسدا كان أم ثعلبا أو غيرهما.
ثم استثنى سبحانه من الخمسة الأخيرة ما ندركه حيا. فإنه يحل لنا بالذبح الشرعي ، وإليه أشار سبحانه بقوله (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) وتأتي الإشارة إلى كلب الصيد (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) عطف على المحرمات ، والنصب أحجار نصبها أهل الجاهلية حول البيت الحرام ، ويذبحون لها ، ويشرحون عليها اللحم ، ويغطونها به (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) جمع زلم بضم الزاي وفتحها ، والزلم قطعة من خشب على هيئة السهم ، وكان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم أن يقدم على أمر كتب على الزلم أمرني ربي ، وعلى ثان نهاني ربي ، وأهمل الكتابة على الثالث ، ثم يقترع (ذلِكُمْ فِسْقٌ) حرام محرم ، والإشارة تشمل الجميع (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أي الآن وبعد أن أعز الله سلطان المسلمين فقد يئس الأعداء من زوال الإسلام أو تحريفه لأن قوة الدين من قوة أهله ، (فَلا تَخْشَوْهُمْ) لأنكم أقوى منهم (وَاخْشَوْنِ) وإلا نزعت منكم السلطان ، وسلطت عليكم أعداءكم ، كما هو شأن المسلمين في العصر الراهن.
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) اتفق المسلمون بشتى فرقهم ومذاهبهم على أن هذه الآية دون سائر آيات المائدة نزلت في مكة السنة العاشرة للهجرة التي حج فيها رسول الله (ص) حجة الوداع وأنه لما رجع إلى المدينة وبلغ في طريقه إليها غدير خم ، جمع الناس ، وخطب فيهم خطبته الشهيرة التي ذكر فيها علي بن أبي طالب من دون الصحابة وأمر المسلمين بموالاته ، وللشيعة كلام طويل حول ولاية علي وخلافته والنص عليها كتابا وسنة علما بأن سيرة علي وخلاله الطبيعية الجلى هي التي تنص عليه بالذات (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى شيء من المحرمات المنصوص عليها (فِي مَخْمَصَةٍ) مجاعة (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) منحرف إلى البغي ومتعد حدود الله (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي يسوغ للمضطر أن يتناول من المحرمات بمقدار الضرورة لأنها تقدر بقدرها ، والزائد حرام.