(بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) فيبطش البطشة الكبرى بمن يجرؤ على قدسه وجلاله ، وأيضا (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) بغير حساب (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) كلما نزلت عليك يا محمد آية من القرآن الكريم ازداد اليهود كفرا بالله وحسدا لك وحقدا عليك. ولا حد ولا عد لمساوئ اليهود ، تقدم منها كثير ، والآتي أكثر (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) وقد عمّ وشمل هذا العذاب والغضب من الله سبحانه المسلمين والعرب في عصرنا الراهن حتى المشردين منا واللاجئين ، وما ربك بظلام للعبيد (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) وهذه نتيجة حتمية للانشقاق والنزاع (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) ـ ٤٦ الأنفال» (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) والفساد يعم ويشمل شتى أنواع الجرائم ، وأعظمها العدوان على العباد.
٦٥ ـ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ ...) قيل في تفسير هذه الآية : إنها دعوة من القرآن لأهل الكتاب أن يسلموا ، وهذا هو الظاهر ، أما الواقع فإن القرآن يدعو أهل الكتاب وغيرهم أن يدرسوا الإسلام حتى يعلموا أمانيه ومراميه ، ويعملوا بما علموا.
٦٦ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) على جميع الأنبياء بما فيهم محمد (ص) (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) كناية عن رغد العيش وسعة الرزق ، وليس من شك أن اليهود والنصارى لو آمنوا بمحمد كما آمن المسلمون بموسى وعيسى ، وعاشوا إخوانا متحابين ـ لكانوا جميعا في غنى عن الجدال والقتال ، ولتوجه الإنتاج بالكامل إلى السلم وسد الحاجات ، لا إلى الحرب والمقاتلات بحكم البديهة والطبيعة ، وعندئذ يعم الرغد والرخاء الجميع على السواء ، ويصبح ثمن الدار أقل من ثمن السيارة الآن ، وهذه بثمن الساعة ، والساعة كالقلم ، والقلم كالدبوس ، وهكذا سائر السلع بشتى أنواعها. (مِنْهُمْ) من أهل الكتاب (أُمَّةٌ) جماعة (مُقْتَصِدَةٌ) معتدلة حيث آمنت بمحمد كما آمن المسلمون أجمعين بموسى وعيسى (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) بإصرارهم على الضلال.
٦٧ ـ (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يدل أسلوب الخطاب مع النبي (ص) أن الله سبحانه قد أمره بتبليغ أمر مهم للغاية ، وأن النبي قد ضاق به ذرعا ، لأنه ثقيل على أنفس جماعة من الصحابة ، وذكر الرازي في سبب نزول هذه الآية وجوها ، منها : «أنها نزلت في فضل علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ولما نزلت هذه الآية أخذ النبي بيد علي وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي بن الحسين عليهماالسلام.