على من أنكروا نبوة محمد (ص) وحاربوه بكل وسيلة أن يعتبروا بهلاك الأمم الماضية (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) أعطيناهم ما لم نعطكم ، ثم بين سبحانه نوع العطاء بقوله : (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) تدر بالمطر (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) أي من تحت أشجارهم وديارهم كناية عن الرخاء وكثرة الانتاج ، لأن خير الأرض من خير السماء (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) ولم يغن مال أو سلطان (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً) أهل عصر (آخَرِينَ) والعاقل من اتعظ بهم وبأمثالهم ، والمعروف بين المفسرين أن الله سبحانه ترك أمة محمد (ص) وذنوبهم إلى يوم الدين ، وليست هذه كرامة للمسلمين بالذات أولا لأن عذاب الآخرة أشد. وثانيا لقوله تعالى : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) ـ ١٧٨ آل عمران» أجل ، الكرامة لمحمد (ص) ليبقى اسمه ببقاء الله سبحانه دنيا وآخرة ، وفي شتى الأحوال فإن الصلاة على محمد وآله خير وسيلة إلى الله وشفيع اللهم صل على محمد وآل محمد.
٧ ـ (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) كهذه الكتب المعروفة (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) مكابرة وعنادا : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) وهكذا كل منافق يسمي الأشياء بأضدادها يرفع شعار الإيمان وهو مراء كذاب.
٨ ـ (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) وهل يستقيم أمر الناس مع مخلوق مباين لهم خلقا وخلقا؟ (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أي أهلكناهم فورا ، لأنهم ـ والله أعلم ـ لا يؤمنون به ، ويقولون : هلا أرسل إلينا واحدا منا نتبعه ، كما هو شأن الإنسان ، أحب شيء إليه ما يمنع عنه حتى إذا ناله طلب سواه ، وهكذا إلى ما لا نهاية!.
٩ ـ (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) أي في صورة رجل حيث لا تحتمله العقول لو بقي على صورة الملك ، ومجيئه في صورة البشر لا يغير من الأمر شيئا (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) لاشتبه الأمر عليهم ، وقالوا : هذا انسان لا ملك ، ونحن نريد ملكا لا إنسانا.
١٠ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ ...) وبمخلصين ومصلحين ، ولا شيء أسهل على الفم من مضغ الهواء بالسخرية والاستهزاء والغيبة والافتراء! والعبرة بالعاقبة وهي إلى وبال لا محالة.
١١ ـ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...) واضح ، وتقدم في الآية ١٣٧ من آل عمران.
١٢ ـ (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) وساغ أن يكون النبي هو السائل والمجيب حيث لا خلاف بينه وبين المسئولين أن الله هو خالق الكون ومالكه والقصد إلقاء الحجة (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ما من شك؟ أن هذا إيجاب فضل وكرم ، ولكن نسأل عن سره وسببه وهو في منتهى البساطة والوضوح ، لأنه تعالى غني عن كل شيء ، وإليه يفتقر كل شيء (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ