(وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) تقية الآمل المتخوف
٣٣ ـ (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ) يا محمد (الَّذِي يَقُولُونَ) عنك ، ومن ذلك : (وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) ـ ١٤ ـ الدخان». ولما ذا مجنون؟ لأنه جاء بجديد. هكذا كل جاهل بجهله (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) يا محمد (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) ما كذبوك إلّا لأنهم أعداء الحق! وسلام الله على من قال : ما ترك الحق لي صاحبا.
٣٤ ـ (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) وما أنت بأول رسول لاقى من قومه الأذى والتكذيب (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا) فهوّن عليك ولا تبال تماما كما فعل الرسل من قبل (حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) على المكذبين ، ويأتيك هذا النصر وزيادة (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) ـ ١٧٢ الصافات».
٣٥ ـ (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) يريد محمد (ص) الحياة للناس ، كل الناس ، فيدعوهم إليها ويجتهد ، فينفرون ويبتعدون ، ولا وسيلة لديه إلا التوجع والحسرات ، فخاطبه المولى بقوله : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً) منفذا (فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) يؤمنون بسببها فافعل وإلا فسلم الأمر إلى الله ، وكأن هذا الخطاب الحكيم منه تعالى لقلب نبيه الكريم روح وريحان وسكينة واطمئنان ، وإن يك في أسلوبه أشبه بالعتاب (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ولا شيء أهون عليه من ذلك ، ولكنه عنف وإرغام ، ولا طاعة وثواب لمكره مرغم (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي لا ينبغي أن يكون تحسرك على تكذيبهم أشبه بتحسر الذين يجهلون أن الله لو شاء لجمعهم على الهدى.
٣٦ ـ (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) وهؤلاء صم لا يسمعون (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) دعهم يا محمد ، إنهم سوف يموتون ويبعثون عندئذ يرون ويسمعون.
٣٧ ـ (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي معجزة معينة كانوا اقترحوها (قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) من النوع الذي اقترحوه ، ولكن لا يستجيب لطلبهم ما دام تحكما وتعنتا بالباطل.
____________________________________
الإعراب : (قَدْ نَعْلَمُ) مضارع بمعنى الماضي ، أي قد علمنا. وحتى بمعنى إلى ، وان مضمرة بعدها ، والمصدر المنسبك مجرور بها ، متعلق بصبروا. وفاعل جاءك محذوف ، والتقدير جاءك نبأ من نبأ المرسلين. وجواب (إِنْ كانَ كَبُرَ) فان واستطعت. وجواب (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) محذوف أي فافعل. (وَالْمَوْتى) الواو للاستئناف والموتى مبتدأ وخبره جملة يبعثهم. (مِنْ رَبِّهِ) متعلق بمحذوف صفة لآية.