لا يتعدى حد الضرورة وسد الحاجة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالجائع المضطر ، وتقدم في الآية ١٧٣ من البقرة.
١٤٦ ـ (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) اليهود (حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) كل ما له أصبع من دابة أو طائر (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) دون اللحم الأحمر ، واستثنى من الشحوم (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) وهو الشحم الملتصق بالظهر (أَوِ الْحَوايا) المصارين والأمعاء ، والمراد أن الشحوم المتصلة بها غير محرمة (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) وهو شحم الإلية (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) هذا بيان للسبب الموجب لتحريم هذه الأشياء على اليهود ، وأنه البغي والتمرد على أوامر الله ونواهيه.
١٤٧ ـ (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) الخطاب لرسول الله (ص) وما من شك في أن من كذّبه فهو كافر حتى ولو آمن بالله واليوم الآخر ، ومع هذا أمر نبيه الكريم أن يتلطف مع الكافرين ، ويقول لهم : (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) لأمرين : الأول الترغيب في رحمة الله والحث على نوالها. الثاني على المرشد والمعلم أن يتوصل إلى قلوب الناس وعقولهم باللطف واللين وإلا استحال عليه أن ينقلهم من الظلمات إلى النور ، وفي المقصد الأقصى للغزالي : «إذا جفي الله سبحانه عاتب وما استقصى».
١٤٨ ـ (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) هذا هو التعليل العليل الذي يتذرع به المشركون والمجرمون حين ندور عليهم دائرة السوء وهكذا كل مجرم وفاشل يلقي التبعة والمسئولية على الحظ أو الظروف أو القضاء والقدر أو أي شيء آخر حتى كأنه بلا حرية وإرادة تماما كريشة في مهب الرياح!.
(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) كذب مشركوا العرب محمدا (ص) والأمم الماضية كذبت أنبياء الله ورسله ، ولا شيء أكثر من الكذب ولا أظهر من الباطل ، ولا بد من يوم يعض الكاذب والمجرم على يديه ويقول : ليتني لم أك شيئا (قُلْ) يا محمد : (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) زعمتم أن الشرك من الله ، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) واضح ، وتقدم في الآية ١١٦ من هذه السورة.
١٤٩ ـ (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) من القوة ما يقطع بها كل عذر (فَلَوْ شاءَ) سبحانه أن يعاملكم بالقوة وإرادة التكوين (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ولكن شاءت حكمته أن يعامل عباده بالنصح والأمر والنهي.
١٥٠ ـ (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أروني واحدا يقول : إن الله أوحى إليه بأنه تعالى حرم ما حرمتم ، وفيه تهديد شديد لمن يفتي الناس بالخيال والاحتمال (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي كذبهم بالحجة (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ...) هم يتبعون الأهواء والشهوات ، وعليك يا محمد أن تنهاهم عن