الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ظهرت لكل واحد منهما عورته وعورة صاحبه (وَطَفِقا) شرعا (يَخْصِفانِ) يضعان (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) ليستترا بهذا الورق (وَناداهُما رَبُّهُما) لائما : ما ذا فعلتما بأنفسكما؟ (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) نهى سبحانه آدم وأنذره وحذره من الشيطان ، وآدم يؤمن بالله عن حس وتجربة ، فقد أوجده من طين لا من أب وأم ، ورأى الملائكة يسجدون له ، وأسكنه الجنة ، وكلّمه ، ولا دليل فوق ذلك ، وكل هذا وغير هذا يبعث آدم إلى الكف عن الشجرة ، فكيف أكل منها؟ والذي يبدو لنا ، والله أعلم ، أن براءة آدم وصفاءه يشبه إلى حد بعيد صفاء الطفل ، وإن كان رجلا لأنه لم يمر بعد بأية تجربة. وقد ظن قياسا على نفسه أن ما من أحد يجرأ على الحلف بالله كاذبا ، ومن هنا أخذ ، ولذا ندم وطلب الصفح بمجرد التنبيه.
٢٣ ـ (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) هذي هي بالذات الكلمات التي أشار إليها سبحانه في الآية ٣٧ من البقرة : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
٢٤ ـ (قالَ اهْبِطُوا) الخطاب لآدم وحواء وإبليس (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) إبليس يعادي آدم حسدا له ، ويعادي بنيه وذريته انتقاما منه ، أما بنو آدم فأكثرهم من حزبه حيث يجدون عنده اللذة والمتعة ... قال سبحانه : (أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) ... (لا يَشْكُرُونَ) ... (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً). والأحمق المغرور هو الذي يقطع ويجزم أنه من الصفوة القليلة (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) تماما كضيوف موقتين ، وعلينا أن نكون مؤدبين لا نتجاوز الناس ، كل الناس ، من أولياء وأشقياء وصعاليك وأمراء ولدوا من هذه الأرض ، وإليها يعودون ، وما لأحد منهم كائنا من كان إلا خمسة أشبار أو ستة من الأرض بعد موته في عرض شبرين ونصف أو ثلاثة ، وكل هذا يهون إذا قيس بالنشر والحشر ، والويل كل الويل عندئذ للمجرمين من عذاب أليم.
٢٦ ـ (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) خلقناه لكم أو أنزلنا السبب الموجب للباس وغير اللباس وهو المطر (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) يسد الحاجة الضرورية (وَرِيشاً) للزينة والحاجة الكمالية ، وهو مستعار من ريش الطائر (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) من كل شيء ، لأن التقوى تقي من عذاب النار وغضب الجبار ، وسلام على من قال : ما خير بخير بعده النار ، وما شر بشر بعده الجنة.
٢٧ ـ (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ...) قال واعظ من الأولين : إن ذنبا واحدا أخرج آدم من الجنة بعد أن دخلها آمنا ، فكيف يدخلها أبناؤه ، وقد تراكمت عليهم الذنوب؟ (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) كل من يكيد للناس في الخفاء ، ويظهر غير ما يضمر فهو شيطان رجيم (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ