لا يَعْقِلُونَ) الغرض من السمع الفهم والعمل بما يسمع الإنسان من نصح ورشاد ، ومن النطق الإقرار بالحق ، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فلا سمع ونطق ، بل ولا عقل.
٢٣ ـ (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ) أي في الصم البكم الذين ذكرهم قبل لحظة (خَيْراً) أي ينشدون الخير لوجه الخير (لَأَسْمَعَهُمْ) بتمهيد السبيل إلى فعل الخير ، ولكنهم لا يرون أي شيء ، ولا يؤمنون بشيء إلا بمنافعهم الذاتية الشخصية ، فهي وحدها الخير كل الخير ، وما عداها كلام فارغ (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) حتى ولو قدم لهم الخير والحق على طبق من بلور لحطموه إلا أن يتفق مع أهوائهم وأغراضهم ، وأكثر الناس ينقادون من بطونهم لا من عقولهم بشهادة القرآن الكريم : (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) ـ ٧٠ المؤمنون».
٢٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) لقد حددت هذه الآية الإسلام بالدعوة إلى العمل من أجل حياة أكمل ، أي الدعوة إلى العلم النافع ، إلى الحقل والمصنع الذي ينتج الغذاء والدواء والكساء ، وإلى المدرسة والميتم والمستشفى ، وإلى المساواة والعدالة الاجتماعية ، وإلى الأخوة والتعاون في هذا الميدان ، وإلى التحرر من كل قيد يقف في سبيل هذه الحياة ... هذا هو الجوهر والأساس لمنهج الإسلام وفلسفته في عقيدته وشريعته وآدابه وأخلاقه وجميع أحكامه. وأخيرا فكل من يعمل لخير الحياة فإنه يلتقي مع دين الإسلام على صعيد واحد كائنا من كان ويكون (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) يملك عليه قلبه ، فيغير نياته ، ويفسخ عزائمه ، ويبد له بالذكر نسيانا ، وبالنسيان ذكرا ، وبالخوف أمنا ، وبالأمن خوفا ، وقدمنا مرات ونكرر أنه لا مسببات بلا أسباب ولا نتائج بلا مقدمات طبيعية وعقلية ، وأن كل الأسباب والمقدمات تنتهي إليه تعالى ، ومن هنا صحت النسبة.
٢٥ ـ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) إذا وقعت الواقعة أخذت مجراها ، وأثرت أثرها طبيعية كانت أو اجتماعية ، ولا تدخل في حسابها الأتقياء والأبرياء ، فأضرار الحرب ـ مثلا ـ لا تبالي بأنصار السلام والأرامل والأيتام. وأيضا إذا هبت الريح جنوبا ، وأبحر الولي التقي باتجاه الشمال ، فإن الله سبحانه لا يأمر الريح بالهبوب شمالا إكراما لوليه وصفيه.
٢٦ ـ (وَاذْكُرُوا) يا معشر الصحابة (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ...) كان العرب قبل محمد (ص) أمة أمية ، وبه أصبحوا ما هو معلوم لدى الجميع حتى صار الكلام عنه تماما كالحديث عن فائدة العلم والماء والنور والهواء.
٢٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا أيها المنتمون إلى الإسلام (لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) بالخلافات والمشاحنات ، والانقياد للأدعياء الطغاة (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي تخونوا مصلحتكم بالصبر والسكوت