من الانهيار ، والمعنى ليس البناء القائم على أساس قوي متين كالبناء القائم على حافة النهر وفي معرض السيل ، وهذا الفرق بين البنائين يصدق تماما على الفرق بين المؤمن والمنافق ، والمخلص والخائن. وعلى كل مجال من مجالات الحياة كالحكومات والمؤسسات والشركات والصداقات وجميع العلاقات.
١١٠ ـ (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ) أي هدم مسجد المنافقين (الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً) وغيظا (فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) والمعنى أن أهل مسجد ضرار امتلأت قلوبهم حقدا وغيظا بسبب هدمه ، ولا يزال هذا الحقد والغيظ يفتك في قلوبهم حتى يقطعها إربا إربا.
١١١ ـ (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) المشتري هو الله سبحانه والبائع المؤمنون ، والثمن الجنة ، والمثمن الأنفس والأموال ، والواسطة في إتمام الصفقة بين البائع والمشتري محمد (ص). فهل من متجر رابح أزكى من هذا وأبقى؟ وفي نهج البلاغة : كل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية.
١١٢ ـ (التَّائِبُونَ) أي أن الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم هم التائبون من الذنوب (الْعابِدُونَ) وكل عمل صالح ونافع لوجه الله والخير فهو عبادة ، بل كف الأذى عن الناس من أفضل العبادات (الْحامِدُونَ) الله في السراء والضراء (السَّائِحُونَ) في الأرض لطلب العلم أو الرزق الحلال أو أي عمل يخدم الإنسان وينفعه (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) المصلون (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي ينشرون دعوة الحق ، ويناصرونه أينما كان ويكون ، ويعتبر الأمر بالمعروف أنجح وسيلة من وسائل الإعلام ، ولذا حث عليها الإسلام ، واستمسك بها الأنبياء وغير الأنبياء ، وكانت الخطة الإعلامية لمحمد (ص) سماحة الخلق ، ورحابة الصدر ، ورجاحة العقل ، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبفضل حكمته وصفاته رفرفت راية الإسلام على شتى بقاع العالم. (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) وهي حلاله وحرامه.
١١٣ ـ (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) جاء في تفسير الطبري والرازي والمنار والبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي في سبب نزول هذه الآية : «أن جماعة من المؤمنين قالوا : نستغفر لموتانا ، فنزل قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِ) الخ ...» وهذا القول أرجح الأقوال وأصحها. وقيل : «نزلت في أبي طالب لأنه مات على غير الإسلام. وهذا أبعد ما يكون عن الحق والواقع ، لأن النبي (ص) حين مات عمه أبو طالب بكى وطلب له من الله الرحمة والمغفرة ، وأمر ولده عليا بتغسيله وتكفينه بشهادة ابن سعد في طبقاته ج ١ ص ١٢٣ طبعة سنة ١٩٥٧. وشهادة صاحب السيرة الحلبية ج ١ ص ٤٦٧ باب وفاة أبي طالب : «أن عليا حين أخبر النبي بموت أبيه أبي طالب بكى وقال لعلي : اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه». وفي سيرة ابن هشام ص ٢٤٧ من القسم