شروطهم وأهوائهم (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) والأمر بيده وحده ، ولا أملك شيئا مما تقترحون وغيره ، وسيجيبكم سبحانه عما سألتم واقترحتم (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) لعقابكم على هذا التمادي في الغي والضلال.
٢١ ـ (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) للمكر معان ، والمراد به هنا ترك الشكر على النعمة ، والمعنى أن الله سبحانه إذا جعل عسر الإنسان يسرا نسي الله وأنه تعالى هو الذي وفق ويسر الأسباب ، بل يعتد بنفسه ، وينسب نجاحه إلى ذكائه ونشاطه تماما كما قال قارون : إنما أوتيته على علم عندي (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) والمراد بمكره تعالى عقاب الماكرين على مكرهم تسمية للمسبب باسم سببه ، وتقدم في الآية ٥٤ من آل عمران.
٢٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) إن الله سبحانه يمنح عبده العقل والإرادة والقدرة ، وبالعقل يميز ، وبالإرادة يختار ، وبالقدرة يفعل ، وعلى هذا الأساس ساغ أن تنسب إليه أفعال العباد بالكامل (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ...) في الآية السابقة أخبر سبحانه عن وضع الإنسان إذا انتقل من عسر إلى يسر ، وفي هذه الآية أخبر عن وضع الإنسان وحاله إذا انتقل من يسر إلى عسر ، وأنه في الحال الاولى ينسى الله ولا يحمده على آلائه ونعمائه ، لأنه في نشوة الفرح من هبوب الريح المواتية له ، وفي الثانية يستغيث بالله جزعا ومنقطعا إليه ، ويكثر الأيمان والمواعيد إذا صرف عنه السوء ، أن يخلص لله ويشكر ويذكر ولا بأس في شيء من ذلك شريطة أن يفي بالعهد ولكن :
٢٣ ـ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) استجاب سبحانه لدعائهم ، ونكثوا ولم يستجيبوا ، بل انقادوا للشهوات والملذات يبغون ويفسدون ... ولا تفوتنا الإشارة إلى أن هذه الآية توحي بأن وجود الله مستقر حتى في كيان الملحد وفطرته ، وأن هذا الوجود الإلهي يتجلى بوضوح حين تضيق بالملحد مسالك النجاة ، وتسد في وجهه المنافذ ، لأن الحجب تطرح بكاملها في هذه الساعة تماما كما هو الشأن عند نهاية الأجل (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) من سل سيف البغي قتل به.
٢٤ ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا ...) شبه الدنيا في
____________________________________
الإعراب : (إِذا لَهُمْ) إذا للمفاجأة وقعت في جواب إذا أذقنا. و (مَكْراً) تمييز. والنون في جرين ضمير الفلك. وضمير بهم للناس. و (مُخْلِصِينَ) حال من الضمير في دعوا. وإذا هم (إِذا) للمفاجأة وقعت في جواب لما. و (مَتاعَ) الحياة منصوب على المصدر أي تمتعوا متاع الحياة ، ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي ذلك متاع.