٢٤ ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) والمراد هنا ببرهان الله تعالى نهيه عن الفاحشة ، وعليه يكون المعنى ما هم بها إطلاقا تماما كقولك : لو لا فلان هلكت ، وخير تفسير لهذه الآية قول الإمام علي (ع) : «قد يرى الحول القلب ـ البصير بتحويل الأمور الخبير بتقلبها ـ وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها» (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) السوء : كيد امرأة العزيز ، والفحشاء الزنا ، وقد صمم يوسف منذ البداية أن يحجم عما نهى الله عنه مهما تكن النتائج ، فكان الله معه ، وأعانه على ما أراد بعد أن علم منه الصدق والإخلاص.
٢٥ ـ (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) أسرع يوسف إلى الباب هربا منها ، فعدت وراءه لترده إليها (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) جذبته من قميصه وهو مدبر فقدته (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) وفي تلك اللحظة بالذات مر العزيز زوج المرأة فرأى موقفا مريبا وعجيبا : قميصا ممزقا وامرأة بحال غير طبيعية. وقبل السؤال (قالَتْ) لزوجها (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) أرأيت إلى هذا الزور والبهتان؟ هو الذي أراد السوء والفاحشة ، وألح واستمات من أجلها! ... أما هي فأبت ورفضت ودافعت عن طهرها وقدسها دفاع المستميت حتى مزقت ثيابه ، وشكرت الله سبحانه الذي أرسل زوجها في هذه الساعة لينقذها من يوسف! ... وهكذا كل من لا يرى ويفكر إلا في قضاء شهوته سواء كانت شهوة الجنس أم المال أم المنصب أم أي شيء ، وخالق الإنسان أعلم حيث يقول : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) ـ ١٧ عبس وفي الحديث الشريف : لا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، فإنه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص» وكذلك سائر الشهوات المماثلة ، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. وجاء في الأثر : لا يعذب الله من ترك شهوته لوجه الله.
٢٦ ـ (قالَ) يوسف (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) قال هذا حيث لم يجد بدا عن رد الاتهام الكاذب ، وبخاصة بعد قولها : (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فانتصر لنفسه بالحق ، وتبرأ صادقا مما رمته به (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) من أسرتها أو من هو حجة عليها ، فقال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ).
٢٧ ـ (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فنظر العزيز إلى قميص يوسف.
٢٨ ـ (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) أيقن ببراءته ، والتفت إلى امرأته و (قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ويمكن الاستدلال بهذه الآية على جواز الحكم بكل وسيلة وقرينة قطعية ، وإن لم يرد فيها نص بالخصوص ، إضافة إلى العمومات ، ومنها قوله تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ـ ٥٨ النساء» أي بما تعلمون أنه حق وعدل سواء أحصل لكم هذا العلم من النصوص أم من غيرها.