المال والاقتصاد ، وأصبح الرئيس الثاني للبلاد بعد الملك ، وإلى ذلك أشار سبحانه بقوله :
٥٦ ـ (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها) يختار النزول في أي جزء منها ، ويسيطر عليها (حَيْثُ يَشاءُ) بلا معارض ومنازع. وقد استطاع يوسف الصديق بعون الله أن ينقذ البلاد من الكارثة ، ويوازن بين الانتاج والاستهلاك والادخار بما يعجز عن مثله رجال المال وأقطاب الاقتصاد في هذا العصر ، ولا سر لذلك إلا الأمانة والإخلاص والعناية الإلهية كما قال عز من قائل (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي أن رحمته تعالى نصيب لا محالة من أخلص في قصده ، وأحسن في عمله.
٥٧ ـ (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) وهل من شيء أزكى وأسمى من نعيم قائم دنيا وآخرة لا انقطاع لمدته ولا عفاء للذته؟.
٥٨ ـ (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) وصلت أخبار يوسف إلى البلاد المجاورة ، ومنها أرض كنعان حيث يقيم يعقوب أبو يوسف واخوته ، فقال يعقوب لأولاده : يكاد الجدب يأتي على كل ما نملك ، فاقصدوا عزيز مصر ، لتبتاعوا منه القوت والطعام ، وكان يوسف لا يعطي الفرد إلا حمل بعير توفيرا للمؤن ، فرحلوا جميعا ما عدا أخاهم بنيامين ، أبقوه عند أبيه يتعزى به. (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) عرفهم ولم يعرفوه ، وأنى لهم بمعرفته ، وقد ألقوه في غيابة الجب ، وهذا سلطان كبير وخطير؟ وسألهم تمهيدا للحديث عن أبيه ما الذي أقدمكم إلينا؟ قالوا : للميرة. قال : من أين أنتم؟ قالوا : من بلاد كنعان ، وأبونا يعقوب نبي الله. قال : هل له أولاد غيركم؟ قالوا : كنا اثني عشر ، فهلك أصغرنا في البرية ، وبقي شقيقه ، فاحتبسه أبوه يتسلى به. فأكرم يوسف وفادتهم ، وأمر رجاله بخدمتهم.
٥٩ ـ (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) جهاز الإنسان : ما يحتاج إليه مسافرا كان أو حاضرا حيا أو ميتا ، كل بحسبه ، والمعنى بعد أن هيأ يوسف لإخوته ما جاءوا من أجله (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) في المرة الثانية حيث جاء ذكره من قبل في حديثهم مع يوسف (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أديت إليكم ما ترغبون ، وكذلك افعل حين تعودون.
٦٠ ـ (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ ...) فلا تقربوا بلادي.
٦١ ـ (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) نحرص ونجتهد لاقناع أبيه.
٦٢ ـ (وَقالَ) ـ يوسف ـ (لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ) دسوا ما قدموا به من البضاعة عوضا عن الطعام الذي أخذوه ـ في أمتعتهم (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) أي يعرفون هذه اليد الكريمة التي أعطت ولم تأخذ (إِذَا انْقَلَبُوا