بنيامين ، والسقاية لغة : وعاء يسقى به ، والمراد بها هنا : الصواع بدليل قولهم : «نفقد صواع الملك ، والصواع والصاع بمعنى واحد (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) نادى مناد (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) القافلة (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) فدهش أولاد يعقوب لهذه التهمة.
٧١ ـ ٧٣ ـ (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ضمن المنادي حمل بعير من الطعام لمن يرجع الصاع من تلقاء نفسه (قالُوا) ـ أولاد يعقوب ـ (تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) ويوسف يعلم بأنهم ليسوا بسارقين ، ولكنه أراد أن يفصل شقيقه بنيامين عنهم ، ويبقيه عنده ، ولا يمكن ذلك إلا بمبرر عند اخوته ، وكان من شريعة آل يعقوب استرقاق السارق ، فدس غلمان يوسف بأمر منه الصاع برحل أخيه ، وقال للمنادي اذن «يا أيتها العير ...».
٧٤ ـ (قالُوا) ـ غلمان يوسف ـ (فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) الخطاب لأولاد يعقوب ، والقصد من هذا السؤال أن يعترفوا صراحة بهذا الحكم :
٧٥ ـ (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) والجملة الثانية توضيح وتوكيد للجملة الأولى ، وهذا اعتراف صريح من أولاد يعقوب بأن السارق يؤخذ عبدا أو أسيرا ، وعليه يسوغ ليوسف أن يأخذ أخاه ويضمه إليه ، ولا يحق لهم أن يمانعوا ويعترضوا.
٧٦ ـ (فَبَدَأَ) المفتش تورية (بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) فأخذه منهم بحكم اعترافهم وإلزاما لهم بما يدينون (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي أوحينا إليه بهذا التدبير كي لا يعترض أولاد يعقوب إذا أخذ يوسف أخاهم أسيرا. وسمي كيدا لمكان التورية ، وهي جائزة شرعا ، شريطة أن لا تحلل حراما ، ولا تحرم حلالا (ما كانَ) يوسف (لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) وهو فرعون مصر ، لأن عقوبة السارق في شرعه وقضائه السجن أو الضرب ، ولا يريد يوسف مكروها لأخيه ، فأوحى الله إليه بهذا التدبير. (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) درجات بالعلم والأخلاق ، لا طبقات بالاستغلال والثروات.
٧٧ ـ (قالُوا) إخوة يوسف : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) يعنون يوسف! ومن قبل هذه الفرية قالوا : أكله الذئب ، وقالت امرأة العزيز : أراد بها السوء! وغريبة الغرائب أن المفسرين أخذوا بتهمة إخوة يوسف له ، واختلفوا في تعيين الشيء المسروق أو المتهم به حتى بلغت أقوالهم خمسة فيما رأيت ، وأطرفها قول بعض الصوفية : إن يوسف سرق قلب أبيه (فَأَسَرَّها) أي مقالتهم : (سَرَقَ أَخٌ لَهُ يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) مر فيلسوف بسفيه فشتمه ، فسكت ولم يلتفت إليه ، وحين سئل الفيلسوف عن تجاهله قال : لا أتوقع من الغراب تغريد البلابل (قالَ) يوسف في نفسه : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) من اتهامي بالسرقة ، وانها بكم أحق