٩٩ ـ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) فضمهما إلى بيته وعائلته ، وأنزل إخوته في مكان آخر ، وفي قاموس الكتاب المقدس : أن اسم أم يوسف راحيل ، وهو اسم عبري معناه شاة ، وأنها ماتت عند ولادة بنيامين. وعليه فالمراد بأمه في الآية امرأة أبيه ، وقيل : إنها خالته أخت أمه. (وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ) أي امكثوا معي في مصر ، واتخذوها وطنا لكم ، ولا يسوغ أن تبقى كلمة الدخول هنا على ظاهرها حيث لا يستقيم عجز الكلام مع صدره إذ يصبح المعنى هكذا بعد أن دخلوا مصر قال لهم : ادخلوا مصر ، وجاء في الأخبار أن فرعون أقطعهم أرضا خصبة ، وظلت سلالة يعقوب فيها إلى عهد موسى.
١٠٠ ـ ١٠١ ـ (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) أجلسهما على سرير الملك (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) تكريما لا تعبدا ، لأن العبادة لا تسوغ إلّا لله (وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) يشير بهذا إلى قوله في أول السورة : يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي ...) يعدد آلاء الله عليه حامدا شاكرا ، وفي نهج البلاغة لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما (أَنْتَ وَلِيِّي) تتولى أمري وتقوم به (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً) لا تمتني إلّا وأنت عني راض ، وهذه اللحظة هي الأصل والأساس ، وفيها يتقرر المصير.
١٠٢ ـ (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) الخطاب لمحمد (ص) والمعنى أن ما أخبر به محمد عن يوسف لم يشاهده بنفسه أو يقرأه في كتاب أو يسمعه من إنسان ، وإذن فهو وحي من الله دال على صدقه ونبوته (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) ما كنت حاضرا مع إخوة يوسف (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) عزموا على إلقائه في الجب (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) بيوسف ويكيدون له ، ما كنت حاضرا معهم وعندهم ، ولكن الله سبحانه أخبرك بذلك وأوحى به إليك ، لتخبر عنه بدورك ، ويكون إخبارك هذا حجة لله ولك على من جحد برسالتك.
١٠٣ ـ (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) اجتهد محمد (ص) وحرص كل الحرص على دعوة الناس إلى الحق ، وأقام الأدلة الوافية الكافية على صدقه ، فأبى أكثر الناس أن يؤمنوا ويصدقوا كما قال سبحانه : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ـ ٨٩ الاسراء» وإذن فالذنب ذنبهم لا ذنب محمد (ص) وأدلته ، وفوق ذلك أن رسالة محمد أثبتت على مدى القرون وإلى آخر يوم ، سمّوها وكمالها ، ومع هذا بقيت الكثرة الكاثرة على جحودها ، والسر أن الإنسان يقاد من شهوته ومعدته لا من عقله وفطرته كما أشرنا أكثر من مرة.
١٠٤ ـ (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) وهنا يكمن سر الإعراض عنه! إنه دعاء إلى الحق ، والحق ثقيل إلّا على الأبرار وهم أقل من القليل.