من النعم وجمع الشمل (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وكذلك عباد الله يشكرون ويقدرون من أحسن وعمل صالحا إلا حقودا عيّابا يكره الطيبين لسوء طويته ، ويكرهونه لسوء سيرته.
٩١ ـ (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) علما وعقلا ، وكمالا وجمالا ، وأخيرا بالجاه والسلطان ... والحر الكريم يعترف بالفضل عن سجية وأريحية ، أما الحقود والحسود فيموت بغيظه ، ولا يعترف لأحد بأية مكرمة وفضيلة إلا لعلة اسرة قاهرة.
٩٢ ـ (قالَ) يوسف (لا تَثْرِيبَ) لا عقاب ولا تأنيب (عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) نطق يوسف بكلمة العفو من مركز القوة والسلطان ، لأنه لا يعمل لنفسه ، بل للإنسانية جمعاء ، وهكذا رجل الحق والمبدأ يخالف الهوى ويتساهل في أشيائه الخاصة ، فإن وقع ظلم أو حيف على الدين أو الآخرين ثار كليث الغاب ، وما أقرب الشبه بين موقف يوسف من اخوته وبين موقف الرسول الأعظم (ص) من الطلقاء ، وهم أعداؤه ، حيث قال لهم : قد عفوت عنكم ٩٣ ـ (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) قال بعض المفسرين : هو قميص موروث من إبراهيم الخليل. وقال آخرون : بل جيء به يوسف من الجنة. وقال بعض الصوفية : هو الهيئة النورانية! ولا مصدر لهذه الأقوال إلا الرجم بالغيب. والعاقل يستخلص العبرة من الفرق بين الولد العاق العقور كإخوة يوسف حيث فعلوا ما فعلوا بأعز الخلق على أبيهم ، وجاءوه. بالقميص الأول الذي جر عليه الأذى والعمى ، وبين الولد البار الشكور كيوسف وقميصه الثاني الذي كان لأبيه حياة وشفاء وسعادة وهناء.
٩٤ ـ (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) خرجت من مصر متجهة إلى يعقوب (قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) تسفهون رأيي ، وغير بعيد أن يكون هذا الوجدان والإحساس بريح يوسف بالقلب لا بالأنف. فكما يحس الإنسان بأنفه وفمه وبصره وسمعه يحسن أيضا من الأعماق ، بخاصة إذا كان من الأتقياء ، وبصورة أخص الرسل والأنبياء ٩٥ ـ (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) لقد مات يوسف ، ولا يعود ما قد ولّى.
٩٦ ـ (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) صدقت نبوءة يعقوب ، وتحققت أمنيته ، و (قالَ) للذين يئسوا من رحمة الله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) يعلم من الله أنه مع المتقين والصابرين ، ولا ييأس من فضله ورحمته إلا جاهل أو جاحد.
٩٧ ـ (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) ندموا على ما كان ، وتابوا لله ، واستشفعوا بأبيهم.
٩٨ ـ (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) لمن تاب وآمن وعمل صالحا (الرَّحِيمُ) بعباده المستحق منهم وغير المستحق.