٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) بسطها ووسعها (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) ألقى في الأرض جبالا راسخات شامخات (وَأَنْهاراً) قرن سبحانه الأنهار بالجبال ، لأن الماء يتفجر من تحتها (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) في التفاسير القديمة أن الزوجين أو الاثنين هما «أسود وأبيض وحلو وحامض ورطب ويابس»! ونسي المفسرون القدامى أن في الثمر ما هو أصفر وأخضر ولا حلو ولا حامض. وفي التفاسير الجديدة أن المراد بالزوجين الذكر والأنثى ، وأن الشجر وغيره من النبات لا ينتج إلّا باللقاح بطريق أو بآخر (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) في يغشي ضمير مستتر يعود إليه تعالى ، والليل مفعول أول والنهار مفعول ثان ، فيأتي أحدهما بعد الآخر ويغطيه ، وتقدم في الآية ٥٤ من الأعراف.
٤ ـ (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) يلتصق بعضها ببعض ، ومع ذلك تتنوع إلى خصبة وجدبة ، وسميكة ورقيقة ، وصفراء وبيضاء ... ولا سر إلّا أمر الله وتدبيره في خلقه.
(وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) بساتين من الكرمة (وَزَرْعٌ) من أنواع شتى (وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) هي النخيلات من أصل واحد غير متنوع ، لأن النخل على أنواع (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) هي النخيلات من أصول متعددة متنوعة ، وخص سبحانه الأعناب والنخيل بالذكر ، لأنهما الثمر الغالب في ذاك العصر (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) كالمطر أو النهر ، وأيضا التربة واحدة ، ومع ذلك يختلف الثمر لونا وحجما ورائحة وطعما ، والسر حكمة الله وتدبيره (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) طعما ومذاقا حتى ثمرات الشجرة الواحدة يختلف طعم بعضها عن بعض ، بل وحبات الرمان والعنب في علاقة واحدة.
٥ ـ (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً ...) أتعجب يا محمد من الذين كذبوك؟ إن تكذيبهم بالبعث أعجب وأغرب (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) .. (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) ـ ٨ الطارق» وتقدم في الآية ٣٦ من الأنعام و ٥٧ من الأعراف ، ويأتي.
٦ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) المراد بالسيئة هنا العذاب ، وبالحسنة العافية ، وبالمثلات العقوبات ، دعا رسول الله (ص) المشركين إلى التوحيد ، وتوعدهم بالعذاب إن استنكفوا ، فسخروا وقالوا : عجل بحسابك وعذابك. قالوا هذا ولم يتعظوا بعقوبات أمثالهم من المكذبين الأولين (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) جمعت هذه الآية بين الرجاء والخوف ، وهما وصفان متلازمان في المؤمن الحق ، لا ينفصل أحدهما عن الآخر ، فمن صح رجاؤه لرحمة الله صح خوفه من نقمته ، ومن صح خوفه من نقمته صح رجاؤه لرحمته ، أما من خاف من عقابه ويئس من رحمته أو رجا ثوابه دون أن يخاف من عقابه ـ فما هو من الإيمان في شيء.