وخفنا أن يكون نذيرا بعذابه في آن واحد.
(وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) يرفعها من الأرض بخارا ، ويحولها إلى ماء ، فتثقل به ، وأشرنا أكثر من مرة أن الله سبحانه يجري الأمور على أسبابها ، ويسيرها تبعا للنواميس الكونية ، ثم يسندها إليه مباشرة ، لأنه خالق كل شيء ومدبره.
١٣ ـ (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) كل مخلوق يترجم بلغته عن قدرة الخالق وعظمته تماما كالحسنات والصالحات تسبح بحمد من أصلح وأحسن (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) يجادل الجاحدون والمعاندون في وجوده تعالى أو في قدرته على البعث أو في نبوة محمد (ص) مع وضوح الدلائل والبينات (وَهُوَ) سبحانه (شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد الأخذ والبطش ، قال تعالى : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) ـ ١٢ البروج ... (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) ـ ١٠٢ هود».
١٤ ـ (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ...) إن الله سبحانه هو الحق ، فمن عمل له وتوكل عليه أجزل له الثواب ، ومن عصى وتمرد حقت عليه كلمة العذاب ، ومن دعا غيره فقد دعا باطلا وسرابا تماما كالظامئ يحسب الدخان سحابا والسراب ماء ، فيمد كفيه ليملأهما بالماء ، ويفتح فاه ليشرب ويبرد غلته ، وإذا بالآمال تتبخر إلى حسرات وزفرات.
١٥ ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ) أي يخضع وينقاد لأمره تعالى وقضائه (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) تقدم في الآية ٨٣ من آل عمران (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ضلال : جمع ظل ، وهو خيال الجسم ، والغدو : جمع غدوة وهي الصباح ، والآصال : جمع أصيل وهو المساء ما بين العصر والمغرب ، والمعنى حتى ضلال الأشياء تنقاد لأمره تعالى ولو بالواسطة والتبعية ، أو كناية عن العموم والشمول لكل ماله نحو من أنحاء الوجود.
١٦ ـ (قُلْ) يا محمد لمن رأى التدبير حتى في نفسه وجحد المدبر : (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الله أو غيره أو وجدت صدفة؟ (قُلِ اللهُ) واحدا أحدا قبل أن يجيبوك بشيء ، لأن هذا السؤال يحمل في طبيعته الجواب الكافي تماما كقول القائل : المربع غير المدور (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) أمر سبحانه نبيه الكريم أن يقول لعبدة الأصنام : إنكم تعبدون أحجارا لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا ، فكيف تملك ذلك لغيرها؟ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) وأيضا هذا السؤال يحمل جوابه في صلبه والمراد بالأعمى هنا من أنكر الحق وهو يرى بنيانه وبرهانه ، وضده البصير (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) الظلمات كناية عن الضلال والفساد ، والنور كناية عن الهدى والصلاح (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) هل الأصنام التي يعبدها المشركون مثل ما خلق الله تماما بلا أدنى تفاوت ، فحملهم ذلك على الاشتباه والخلط بين خلق الله والأصنام حتى جعلوا مع الله إلها آخر؟ (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) الإيمان بالله الواحد هو أصل الأصول في الإسلام ، ومن هنا تكرر التوحيد في العديد من آياته ، وبخاصة في الآيات المكية حيث كان للشرك أرباب وأقطاب.
١٧ ـ (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ...) ضرب سبحانه في هذه الآية مثالين : مثالا للحق في ثباته