وفوائده ، ومثالا للباطل في زواله ومفاسده ، فالحق وأهل الحق تماما كالماء ، ينزل من السماء فتسيل به أودية ، كل واد بحبسه طولا وعرضا كما توحي كلمة «بقدرها» وتبقى آثار الماء في الأرض والعيون والآبار وفي الزرع والحبوب والثمار ، وأيضا الحق وأهل الحق كالمعادن والجواهر من ذهب وفضة يصاغ منها الحلي وأدوات الزينة ، ومن حديد ونحاس يصنع منهما ما ينفع الناس ، أما الباطل فهو تماما كالزبد الذي يرمي به السيل وكالزبد الخبيث الرديء الذي يطفو فوق المعدن حين يذاب بالنار (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي يشبّه الحق بالماء والمعدن اللذين ينتفع بهما الناس ، ويشبه الباطل بزبد السيل والمعدن ، ومعنى هذا أن الباطل لا يثبت أمام الحق ، وعلى حد تعبير الإمام علي (ع) : «من صارع الحق صرعه».
هذا هو الإسلام : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ومعناه في واقعه وجوهره حيثما تكون منفعة الناس يكون الإسلام بلا كلام ، وما هو مجرد أشكال وترتيل ولا تنجيم وصراخ بالتهليل وكفى ... هذا هو الفهم الإنساني الحيوي لدين الحق والقلب والعقل.
١٨ ـ (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) أي لدعوة ربهم ، وهي لمنفعة الناس وحياة أفضل ، والمراد بالحسنى الجزاء الأحسن (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) وهم الذين لا خير فيهم تماما كالزبد والقمامة (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) ولمن تعطى هذه الفدية أو الرشوة لله أم لجبريل أم لمحمد (ص)؟ وتقدم في الآية ٩١ من آل عمران و ٥٤ من يونس.
١٩ ـ (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما). أنما كلمتان : أنّ وما اسمها (أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يا محمد (الْحَقُ) خبر أن (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) من يؤمن بمحمد (ص) فهو البصير ، ومن أعرض فهو الأعمى. هل يستويان مثلا؟ أفلا تذكرون؟
٢٠ ـ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) الوفاء بشتى فروعه وأنواعه ، من خلق الأنبياء ، وهو من أمهات الفضائل ، فالوفاء للعقيدة دليل على صدق الإيمان ورسوخه ، والوفاء للوطن يوحي بالأصالة والأمانة ، ووفاء الصديق لصديقه يبعث على حب الناس والثقة بهم ، والغدر على النقيض ، وأقبح أنواع الغدر على الإطلاق من غدر بمن يحبه ويخلص له ، ولا يطلب ثمنا على ذلك إلّا من الله ظنا منه أن صديقه المحبوب من أهل الله.
٢١ ـ (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) وهو أن يناصر الإنسان أخاه ، ويتعاون معه على كشف الضر عنه ، وجلب المنفعة له ، وبكلمة أن يشعر بالمسؤولية عنه (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) عمليا لا نظريا ، وفعلا لا قولا فقط ، قال الإمام علي (ع) : بالإيمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الإيمان.
٢٢ ـ (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) يجاهدون في سبيل الله والحق ، ويصبرون على جراح الجهاد وآلامه ، ولا يبتغون جزاء ولا شكورا إلّا مرضاة الله وحده (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) بحدودها الشرعية المذكورة في كتب الفقه ، ولا فرق إطلاقا بين من ترك الصلاة ، ومن اتبع الشهوات بنص القرآن الكريم : «أضاعوا الصلاة واتبعوا