الشهوات فسوف يلقون غيا ـ ٥٩ مريم (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وهذا الإنفاق حق اجتماعي ، وليس إحسانا وتفضلا ، قال سبحانه : (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) ـ ٢٤ معارج» (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) يدفعون القبيح بالحسن ، وفي نهج البلاغة : عاتب أخاك بالإحسان إليه ، واردد شرّه بالإنعام عليه (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) أحسن الجزاء.
٢٣ ـ ٢٤ ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) إقامة دائمة ، ونعمة قائمة (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) يجمع الله بينهم في الجنة وبين الأقربين والأهلين ، شريطة أن يكونوا جميعا من الصالحين وإلا فلا أنساب وأصحاب يومئذ بنص الآية ١٠١ من «المؤمنون» و ٦٧ من الزخرف (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ ...) على أهل الجنة مسلمين ومهنئين بدار السلام وعز المقام.
٢٥ ـ (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) بعد أن ذكر سبحانه صفات الصالحين ومآلهم أشار إلى حال الفاسدين ومصيرهم وهم على الضد من أولئك ، لا يعرفون إلا الغش والغدر ، ولا يناصرون إلا البغي والجور ، ويملئون الأرض شرا وفسادا (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) الخزي والهوان والحرمان من كل خير وفضيلة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) سوء العاقبة والجزاء.
٢٦ ـ (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) وتسأل : ظاهر هذه الآية أن الرزق بيد الله وأنه هو الذي يوسع ويضيق على من يشاء علما بأن الله سبحانه أمر بطلب الرزق والسعي له في الآية ١٥ من الملك حيث قال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) فما هو وجه الجمع؟ الجواب : لا تصادم بين الآيتين ، لأن الرزق كله من الله سواء أتى من السعي أم من غير احتساب ، والفرق أن السعي وسيلة وأداة ، وتكلمنا حول الرزق كثيرا في التفسير الكاشف وفي ضلال نهج البلاغة ، وأحسنه فيما نرى ما قلناه في تفسير قول الإمام (ع) : الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك. (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا ، فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) لا فجوة ولا مشكلة بين الدين والآخرة من جهة وبين المال والدنيا الحلال من جهة ثانية ، بل هذه مطية ووسيلة إلى تلك ، وإنما التعارض والتصادم بين الدين والدنيا الحرام ، بين السلب والاستغلال والنزاهة والتقوى وتقدم في ١٨٥ من آل عمران.
٢٧ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) تقدم في العديد من الآيات ١١٨ من البقرة (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) ولن يشاء عبثا ، بل لسبب موجب ، وهو أن يسلك العبد طريق العماية والضلالة بإرادته وسوء اختياره ، وتقدم في الآية ٨٨ من النساء (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) من أعرض عن الباطل ، وأقبل على الحق ، وهذا دليل قاطع على أن الله سبحانه يعامل العبد بما يختاره لنفسه (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ١٥ الأسراء» ٢٨ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) ، الاطمئنان أعلى مراتب الإيمان حيث تطيب النفس وتركن إلى الله وحده ولا ترضى بغيره بديلا ، وأوضح تحديد للقلب المؤمن المطمئن قول الإمام زين العابدين ومعدن العلم والدين :