والمعنى «يسلك القرآن في قلوب المجرمين مكذّبا به وغير مقبول ، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها. فتقول : هكذا اللئام تنزل الحاجة بهم مردودة غير مقضية.
١٣ ـ (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) بيان وتفسير لنسلكه في قلوب المجرمين (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) وهي فعله تعالى بمن كذّب الأنبياء حيث أهلك المكذبين الكافرين ، وأنجى الرسل والمؤمنين ١٤ ـ (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) يصعدون.
١٥ ـ (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ) سدت (أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) هذا بيان لشدة عناد الطغاة ومكابرتهم للحق ، وأن الله لو صعد بهم إلى السماء بلا سفينة فضاء لقالوا : إن هذا إلا سحر مبين ، وإنّا به لكافرون! ولا سر على الإطلاق إلا الذاتية والأنانية ، وأنهم ينظرون إلى القائل لا إلى القول ، ويرفضون كل ما يقوله عدوهم الشخصي ، وإن كان حقا وصدقا ، أما قول العلماء والحكماء : خذ الحكمة أنى كانت وتكون ، فكلام فارغ في مفهومهم.
١٦ ـ (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) قيل : المراد بالبروج هنا المنازل الاثنا عشر. وقيل : بل الكواكب ، ومهما يكن معنى البروج فإن الغرض الأول من الآية أن نتدبر قدرته تعالى في آياته الباهرات وما فيها من نظام وإتقان يحمل الدلالة الواضحة على وجود المتقن والمنظم ، وتغني عن مجيء الجن ونزول الملائكة. وفي نهج البلاغة : الحمد لله الدال على وجوده بخلقه ، وبمحدث خلقه على أزليته ، وباشتباههم على أن لا شبه له ١٧ ـ (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) كان أهل الجاهلية يعتقدون بأن لكل كاهن شيطانا يأتيه بأخبار السماء ، فكذّب سبحانه هذه الخرافة ، وإنها من وحي الجهل وسبات العقل.
١٨ ـ (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) كناية عن أن شياطين الإنس أو الجان ـ على فرض صعودهم إلى القمر أو المريخ أو غيرها من الكواكب في سفينة الفضاء ـ فإنهم أعجز وأحقر من أن يسترقوا السمع من ملائكة السماء كما زعم أهل الجاهلية ١٩ ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) تقدم في الآية ٣ من الرعد (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) بميزان العلم والحكمة شكلا ومادة وتطورا» (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ـ ٥٠ طه» ٢٠ ـ (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) جمع معاش ومعيشة ، وضمير فيها يعود إلى الأرض والمعنى أن الله سبحانه أودع في الأرض أسباب الرزق والعيش بشتى صنوفها. ومع الأيام تطورت هذه الأسباب مع تقدم العلم حتى زاد الإنتاج والدخل القومي أضعافا مضاعفة عن ذي قبل. ولو لا الاحتكار والاستئثار وما تستهلكه الأسلحة الجهنمية التي تهدد الأرض بكل من وما فيها ـ لما كان لكلمة الجوع من مدلول (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) كما جعلنا لكم في الأرض معايش أيضا جعلنا فيها لغيركم من سائر المخلوقات الحية معايش ، فإن رزقها على الله لا عليكم وعلى هذا يكون «ومن لستم ...» معطوفا على «لكم» بتقدير حرف الجر أي ولمن لستم له برازقين ، لأن العطف على الضمير المجرور يستدعي تكرار حرف الجر ٢١ ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) ليس لله صناديق وخزائن يدخر فيها الأرزاق للمستقبل كما نفعل نحن ، وعليه فالخزائن هنا مجرد تمثيل لاقتداره وإيجاد الشيء بكلمة