لم يعجله الله لكم (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) في دعائه بالشر ، والمراد بعض أفراد الناس ، وفي نهج البلاغة : فكم من مستعجل بما أدركه ودّ أنه لم يدركه.
١٢ ـ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) دالّتين على وجود الله تعالى حيث يتعاقبان وفقا لقوانين ثابتة ونظام دائم يدل على وجود مدبر حكيم وقادر عليم (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) المراد بالمحو هنا الظلمة وعدم الإبصار فيه بدليل قوله تعالى : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) نيّرة ، تبصر الأشياء في ضوئها (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) نسكن في الليل ، وننشر في النهار للأعمال والأسفار ، وتقدم في الآية ٦٧ من يونس (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) تقدم بالحرف في الآية ٥ من يونس (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) أبان سبحانه أصول الدين وفروعه بكل وضوح ، وما لأحد بعد هذا يأتي الناس بدين جديد ، كما ادعى غلام أحمد القادياني ، وقال في كتابه الاستفتاء ص ٤٦ : «لما جعلني الله مثل عيسى جعل السلطة البريطانية ربوة أمن وراحة ومستقرا حسنا» (عن كتاب المجددين في الإسلام لأمين الخولي ص ٢٧).
١٣ ـ ١٤ ـ (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) عمله الصادر الطائر عنه بإرادته واختياره (فِي عُنُقِهِ) كناية عن أن الإنسان هو وحده المسئول عن عمله (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً ...) لا شك ولا ريب في يوم القيامة ، فكل شيء محسوس وملموس ، ولذا يقول سبحانه لعبده : هذا عملك بالكامل ، وهذا كتابك بيدك ، فحاسب نفسك لنفسك ، وادل بما لديك من حجّة إن كنت تملكها ١٥ ـ (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) هذا حكم ضروري طبيعي لا يتوقف على التشريع وهو توضيح وتوكيد لقوله تعالى : ألزمناه طائره في عنقه ، وتقدم في الآية ١٠٤ من الأنعام (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) تقدم في الآية ١٦٤ من الأنعام (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) أيضا هذا حكم ضروري طبيعي ، ويتلخص بكلمة واحدة : لا عقاب بلا بيان ، وفي الحديث الشريف : رفع عن أمتي ما لا يعلمون ، وقال الإمام الصادق (ع) : إن الله احتجّ على الناس بما آتاهم وعرّفهم ١٦ ـ (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) جمع مترف وهو الغنيّ المنعمّ في الحياة الدنيا ، وأطلقت الآية كلمة المترفين هنا على جميع أهل القرية بلا استثناء لأن الأمر بالحق والعدل يعم ويشمل الفقراء والأغنياء ، وخصّ سبحانه المترفين بالذكر لأنهم إلى المعصية أسرع ، ولأنهم متبوعون لا تابعون (فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) بعد أن قال سبحانه ما معناه : لا عقوبة بلا نصّ فرع على هذا الأصل وقال ـ وهو الرّحمن الرّحيم والعادل الحكيم لا نهلك أهل قرية إلا بعد أن تقوم عليهم الحجّة بإرسال الرسل يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويبشرون وينذرون فإذا عصوا ما أمروا به أنزل بهم الهلاك والدمار ، ومعنى هذا أن الأمر بالخير والمعروف هو المحك الذي أظهر فسادهم وضلالهم ، فحقت عليهم كلمة العذاب ١٧ ـ (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) هذا تهديد ووعيد للذين كذبوا محمدا آنذاك بأن الله قادر على أن يجعل مصيرهم كمصير الذين كذبوا أنبياءهم من قبل.
١٨ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ما كل من طلب الدنيا بمدركها إلا أن يشاء الله ، ومن طلبها وعمل لها وحدها معرضا عن الآخرة فإنه يستثمر نتيجة جهده وعمله ، ولكن بمشيئة الله لا بحول العبد وقوته