وفي نهج البلاغة : لا نملك مع الله شيئا إلا ما ملكنا ، وهو أملك به منا (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً) لأنه لا يرى إلا همه وهمّ ذويه ، أما المبادئ والقيم فهي أداة للصوصيته ووسيلة لشهوته.
١٩ ـ (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) من أراد الجنّة فعليه أن يدفع الثمن سلفا ، وقد حدده سبحانه بقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ـ ١١١ التوبة» وأيضا حقا عليه سبحانه أن لا يدخل الجنّة من دخل في جوفه شيء من الحرام ، فقد روى القميّ في سفينة البحار عن المعصوم أنه قال : «حبس شهيد على باب الجنّة بثلاثة دراهم ليهودي» وإذا كانت هذه هي حال الشهيد الذي يلقى الله مضرّجا بدمه في سبيل الله ، من أجل ثلاثة دراهم ليهودي ، فكيف بمن يأكل الألوف المؤلّفة من أموال المساكين الموالين للنبيّ وآله (ص)؟
٢٠ ـ (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) إشارة إلى من عمل لدنياه دون آخرته ، ولمن عمل لهما معا (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) الكون بمن فيه وما فيه فيض من الله وعطائه حتى الجاحدين به يتنعمون بإفضاله وآلائه ، لأنه هو الذي خلقهم وأوجدهم ، وفعله عدل وحكمة ، ومن هنا أعطى كل شيء ما يحتاج إليه في وجوده وبقائه (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) ويستحيل أن تقوم له الحجّة على عباده إلا بعد الهبة والعطاء بلا ثمن وعوض.
٢١ ـ ٢٢ ـ (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) لا طبقات عند الله على أساس الجاه والمال واللون والنسب ، كيف وهو القائل : إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟ وعليه يكون المراد بالتفضيل هنا في الصحة والموهبة والعمر والرزق عن طريق ما أحلّ الله وشرّع ، أما المال الحرام والعيش على حساب الآخرين فمن الشيطان لا من الرّحمن حيث لا ظلم وبغي عند الله ولا مجازفة وعبث (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) قد تكون دنيا الأشرار أفضل ألف مرّة من دنيا الأخيار ، أما في الآخرة فلأهل الشر نار وجحيم ، ولأهل الخير أمان ونعيم ٢٣ ـ ٢٤ ـ (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ...) قضى ربّك : أوصى وأمر بأن تكون العبادة خالصة لله لا شائبة فيها لسواه ، وقرن سبحانه البر والإحسان للوالدين بهذه العبادة الخالصة تماما كما قرن النبوّة بالألوهية ، والزكاة بالصلاة ، والعمل الصالح بالإيمان ، في العديد من آياته ، ومعنى هذا أن لبر الوالدين أكرم المنازل عند الله وأفضلها ، أمّا السرّ لذلك فقد أوضحه الإمام زين العابدين وقدوة المتقين (ع) بدعائه لوالديه الذي قال فيه من جملة ما قال «أين طول شغلهما بتربيتي؟ وأين شدة تعبهما في حراستي؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ؟ هيهات ما يستوفيان حقهما مني ، ولا أدرك ما يجب عليّ لهما ، ولا أنا بقاض وظيفة خدمتهما» ٢٥ ـ (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) لأنه هو الذي خلقها. وأودع فيها من جملة ما أودع غريزة الرضا والغضب (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) بارين محسنين للآباء والأمهات ثم بدرت من أحدكم بادرة إلى أبويه لسبب أو لآخر. وندم بعدها واستغفر منهما فإن الله سبحانه يغفر لمن تاب وأصلح.