٥٧ ـ (أُولئِكَ) الآلهة (الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي يدعونها المشركون هم بالذات (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) إلى الله أي يتوسلون إليه ، ويسجدون له ويسبحون بحمده ، فكيف تؤلّهون عبادا ضعافا أمثالكم؟ (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) إن الذين تعبدون كعيسى وأمه ـ مثلا ـ يحرص كل منهما أن يكون أقرب إلى الله من الآخر في الطاعة والاجتهاد (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) وعفوه أكثر مما ترجون (وَيَخافُونَ عَذابَهُ) وغضبه أكثر مما تخافون (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) يحذره ويخافه الأنبياء والأولياء ، فكيف بغيرهم؟ لأن الخوف من حيث هو من أفضل الطاعات والعبادات ، بل أفضلها إن أثر أثره ، وعمل عمله ، ولا فرق أبدا بين العجب والتباهي بالنسب والمال والعجب والتباهي بالطاعة والعبادة.
٥٨ ـ (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) يأتي هذا اليوم ولا حيّ على وجه الأرض حيث تفنى الخلائق بالموت الطبيعي (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) لأنها ركست وتمادت في الفساد والانحلال ، والبغي والضلال.
٥٩ ـ (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) التي اقترحها المشركون (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) طلب الأولون من أنبيائهم آيات خاصة ، فاستجاب لهم سبحانه ، ومع هذا أصرّوا على موقفهم الأول من الكفر والعناد ، وضرب مثلا على ذلك بقوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) واضحة (فَظَلَمُوا بِها) كفروا بها وهم اقترحوها ، وسبب نزول هذه الآية أن قريشا اقترحوا على رسول الله (ص) أن يجعل لهم هذا الجبل ذهبا ، فأخبر سبحانه أنه لم يفعل ذلك لئلا يكذبوا فيهلكوا تماما كما جرى لثمود (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) يخوّف سبحانه عباده بما شاء من الآيات لعلهم يتعظون ويتقون ، وفي نهج البلاغة : «احتجاجا بالبينات وتحذيرا بالآيات ٦٠ ـ (وَإِذْ قُلْنا لَكَ) يا محمد (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) فهم في قبضته ، وهو سبحانه ناصرك عليهم لا محالة فاصدع بما تؤمر ، ولا تكترث (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) جاء في تفسير الرازي ما نصه بالحرف الواحد : «قال سعيد بن المسيب ـ من التابعين والفقهاء السبعة بالمدينة رأى رسول الله (ص) بني أمية ينزون على منبره ، فساءه ذلك ، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء» وأيضا نقل هذا البيضاوي وصاحب البحر المحيط أبو حيان الأندلسي ، وصاحب التسهيل محمد بن أحمد الكلبي وغيرهم من المفسرين (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) هي الأسرة الأموية عند من فسّر رؤيا النبي (ص) بهم ، وفي تفسير البيضاوي أن الحكم هو حظهم في الدنيا ، يعطونه بإسلامهم ، وعلى هذا كان المراد بقوله تعالى : الا فتنة للناس ، ما حدث في أيامهم. (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) وإن قال قائل : إذا كانت آيات التخويف والتحذير تزيدهم طغيانا فتركها خير وأفضل ، لأن الغرض منها الإقناع والسمع والطاعة ـ قلنا في جوابه : إن الله سبحانه أعلم بالأتقياء والأشقياء من أنفسهم ، ولكنه لا يأخذ أحدا إلا بقول أو فعل ظاهر ومحسوس ومن أجل هذا يأمر وينهى ، ويبشر وينذر ، والمؤمن يسمع ويطيع ويزداد إيقانا وإيمانا ، والشقيّ يزداد كفرا وعتوا ، ومعنى هذا أن التخويف والتحذير ليس سببا للعتو والطغيان بل كاشفا عمّا هو كامن في الأعماق من طغيان ، وزائد عما كان ظاهرا للعيان ، وإلى هذا تشير الآية ١٢٤ ـ ١٢٥ من التوبة : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي