وألوانه (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) ناصرا ينجيكم من عذاب الله وغضبه.
٦٩ ـ (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) في البحر (تارَةً أُخْرى) إن رجوعكم إلى الله عند خوف الغرق دليل على إيمانكم به ، وعليه نسأل : ما الذي يمنع أن يحوجكم الله سبحانه إلى ركوب البحر ثانية (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً) كاسرا ومحطما (مِنَ الرِّيحِ) يحطم المركب ويغرقه بمن فيه (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) مطالبا يطالبنا بما فعلنا (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) ـ ٢٣ الأنبياء» ٧٠ ـ (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) ولابن آدم كرامة ذاتية ، يستمدها من طبيعته ، وتخلق معه منذ تكوينه وولادته ، وكرامة طارئة يكتسبها بسعيه وإرادته ، ومن آثار الأولى وثمارها حقه في الحياة وصيانته من الأذى والاعتداء .. حتى إذا صار إنسانا راشدا كان له من الحقوق ما لكل الناس ، وعليه من الواجبات ما عليهم بلا امتياز واختصاص ذكرا كان أم أنثى تولد من أسود أو أبيض مؤمن أو ملحد ، أما الكرامة الطارئة فنذكر منها ثلاث كرامات (١) كرامة الإخلاص والتقوى ، قال سبحانه : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ـ ١٣ الحجرات ... (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ـ ٨ المنافقون» (٢) كرامة العلم : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٩ الزمر» وما من شك أن المراد بالذين يعلمون الذين ينفعون الناس بعلمهم بدليل قوله تعالى : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ـ ١٧ الرعد» (٣) كرامة العمل : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) ١٣٢ الأنعام» (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) ولا شيء على الإطلاق يوازي فضيلة العقل ، فبه يكون الإنسان مسؤولا عن تصرفاته ، وبه تعرف نعمة الله على خلقه ، وبه يسيطر على الطبيعة ويسخرها تبعا لأغراضه ٧١ ـ (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) المراد باليوم يوم القيامة ، وفيه ينادي المنادي الأئمة والمؤتمين بهم ، فيأتي المشركون وأصنامهم ، والملحدون ومن أغراهم بالإلحاد والفساد ، واليهود وموسى ، والنصارى وعيسى ، والمسلمون ومحمد ، ويجري الحساب والسؤال والجواب (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) وهو من اتبع إمام الهدى والحق ، وأحسن قولا وعملا (فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) ويرون فيه أجرهم وثوابهم ، فيفرحون ويستبشرون (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) بل يزيدهم الله من فضله ، والفتيل : ما كان في شق النواة ، والنقير : النقطة في ظهرها ، والقطمير : القشرة عليها.
٧٢ ـ (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ليست الغاية من البعث مجرد البعث ، ولا هو غيب في غيب ، ولا الدنيا تناقض الآخرة وتعارضها ، بل هما متلاحمتان متلازمتان ، فالخير في الدنيا خير في الآخرة ، والشر في الدنيا شر في الآخرة ، على فاعله ، وهل من شيء أوضح وأصدق في الدلالة على هذه القرابة القريبة من قوله تعالى : (مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى)؟ إن الدنيا طريق ومطية وحقل وزرع ، والآخرة هي الغاية والنهاية (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) ـ ٣٠ آل عمران».
٧٣ ـ ٧٥ ـ (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) إن مخففة واسمها محذوف أي إنه ، واللام في ليفتنونك هي اللام الفارقة بين إن المخففة وإن النافية. (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ـ إلى ـ