(عَلَيْنا نَصِيراً) تدل هذه الآيات الثلاث دلالة قاطعة على أن الله سبحانه هو الذي يتولى أمر نبيّه محمد (ص) ويحفظه من كل سوء ، ولا يكله إلى نفسه ولا إلى أي مخلوق ، ومجمل الحكاية أن المشركين قالوا لرسول الله (ص) : اقبل بعض ما ندين ، ونقبل بعض ما تدعو إليه ، وينتهي ما بيننا من خلاف تماما كما يتم الصلح بين قبيلتين على الشريعة القبلية والطريقة العشائرية! ولكن محمدا (ص) رفض هذا العرض منذ البداية وبلا تردد بدافع من العصمة التي منحه الله إيّاها ، وإليها أشار سبحانه بقوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) ولو لا تدل على امتناع جوابها لوجود تاليها ، والتالي هنا بعد لو لا مباشرة كلمة ثبتناك «أي العصمة» والجواب لقد كدت تركن ، ومعنى هذا أن محمدا ما ركن إليهم إطلاقا تماما كقول القائل : لو لا فلان لهلكت
٧٦ ـ (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) قبل أن يهاجر النبي (ص) إلى المدينة تصدى له المشركون بألوان من الأذى ، وحاولوا بكل وسيلة أن يخرج من مكة فرارا من شرهم ، ولكنه تحمل وصبر (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) أي لو أخرجوك يا محمد لأهلكهم الله بعد خروجك بقليل ، ولما هاجر النبي (ص) إلى المدينة قتل من مشركي مكة من قتل في بدر ، ومن بقي أسلم أو استسلم صاغرا ٧٧ ـ (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) هذي هي عادة الله سبحانه في الذين كذبوا برسله وأخرجوهم من ديارهم ٧٨ ـ (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) تشير هذه الآية إلى أوقات الصلوات الخمس المفروضة ، ولها ثلاثة أوقات : الأول لصلاة الظهر والعصر ، ويبدأ بزوال الشمس ، وينتهي بغروبها ، وأشار سبحانه إلى الزوال بالدلوك ، وإلى الغروب بالغسق ، الوقت الثاني لصلاة المغرب والعشاء ، ويبدأ بالغروب إلى نصف الليل ، ويدخل في غسق الليل وظلمته ، والثالث لصلاة الفجر ابتداء من بزوغه حتى شروق الشمس (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) لأن الإنسان يقبل على صلاة الفجر حاضر القلب والحواس بعد أن يأخذ قسطا من الراحة بالنوم ٧٩ ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) يا محمد ، وتهجد اسهر ، والضمير في «به» للقرآن ، والنافلة الزيادة على الصلوات الخمس ، ولك اللام للاختصاص ، والمعنى أن الله فرض عليك يا محمد صلاة أخرى تصلّيها في الليل زيادة على الصلوات الخمس ، ويؤيد إرادة هذا المعنى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) عسى في كلام المخلوق تدل على الرجاء ، وفي كلام الخالق على الحتم والجزم ، ولا شيء فوق مقام محمد وآل محمد إلا خالق الخلق ٨٠ ـ (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) وحق في جميع ما أفعل (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) وحق في جميع ما أترك ، ونذكر هنا ما نقله الكليني في أصول الكافي عن الإمام الصادق (ع) : «إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، وإذا قدر لم يأخذ أكثر مما له» (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) أعز به الحق وأهله ، وأذل به الباطل وأهله إذ لا حق بلا قوة وسلطان ٨١ ـ (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) يشير سبحانه بهذا إلى أن الله سينصر محمدا على أعدائه لا محالة ، ويظهر دينه على الدين كله ، ويقيم دعائمه في شرق الأرض وغربها ولو كره المشركون كما جاء في الآية ٣٣ من التوبة وغيرها ٨٢ ـ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)