القرآن دواء وشفاء من كل رذيلة ، ورحمة ونعمة على من استمسك بعروته ، وأخذ بشريعته (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) لأنه حجة الله عليهم ، فكلما عصوا حكما من أحكامه ازدادوا عتوا وطغيانا.
٨٣ ـ (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بمال أو جاه أو عافية وما يشبهها (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) لوى جانبه تكبّرا (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) وفي نهج البلاغة : إن استغنى بطر وفتن ، وإن افتقر قنط ووهن. وتقدم في الآية ١٢ من يونس ٨٤ ـ (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) للإنسان غرائز عامة يشاركه فيها جميع الأفراد دون استثناء كالحب والبغض والرضا والغضب ، ومنها تختص بفئة دون فئة من الناس كالسخاء والبخل ، والشجاعة والجبن ، ومنها تختص بالفرد وحده ، ولا يشاركه فيها مخلوق على الإطلاق ، ولا ضابط لها ومقياس إلا عدم الضابط لأن كل صفة منها قلعة مستقلة بنفسها تماما كبصمة الأصابع : وقرأت في مجلة الحوادث البيروتية ١٠ / ٢ / ١٩٧٨ : أن العلماء توصلوا إلى عزل جزئيات دم الإنسان بالكهرباء ، فتبيّن لهم أن كل إنسان يستقل في تركيب دمه كما يستقل في بصمات أصابعه. وما من شك أن لنوع الدم تأثيره البالغ في تصرفات الإنسان.
٨٥ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) المراد بالروح هنا الحياة ، وسئل النبي (ص) عن حقيقتها ، فأمره الله تعالى أن يقول للسائلين : إن الروح من الأشياء التي يوجدها سبحانه بأمره ، وهو قوله للشيء : «كن فيكون» ومنذ القديم حاول العلماء وما زالوا أن يفهموا ويعرفوا أصل الحياة ، فلم يصلوا إلى شيء ، قال الدكتور جيمس كونانت رئيس جامعة هارفارد في كتاب مواقف حاسمة ترجمة الدكتور أحمد زكي : «إن الآراء التي تحاول تفسير أصل الحياة كثيرة ، ولكن لا أستطيع أن أسميها بأكثر من خواطر ، وعلينا أن نترك الحديث عن أصل الحياة» (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) حتى ولو صعدتم إلى المريخ ، وملأتم السماء بعربات الفضاء ، والأرض بالصواريخ والقنابل المدمرة ـ فإنكم أحقر وأعجز من أن تنجحوا في تركيب خلية حية من خلايا الذبابة ، تتصف بالصفات والمميزات المتوافرة في الخلية الطبيعية ، علاوة عن خلق الذبابة نفسها ٨٦ ـ ٨٧ ـ (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) لقد أنعم الله عليك يا محمد بهذا القرآن الكريم العظيم ، ولو شاء لسلب هذه النعمة عنك ، فاشكر الواهب على هبته وأيضا اشكره على بقائها واستمرارها (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) تعتمد عليه في رد ما نأخذه منك ، وإرجاعه إليك ٨٨ ـ (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) هذا التحدي بهذا الأسلوب القاطع الجازم لا يكون إلا من خبير بأن الجن والإنس يعجزون عن مثل القرآن حتى ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، وما زال هذا التحدي قائما وإلى آخر يوم ، وتقدم في الآية ٢٣ من البقرة وغيرها.
٨٩ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ) بيّنا وكررنا (فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي من كل شيء يعود إلى الدين والأخلاق والحجج والبراهين ، والدليل على إرادة هذا المعنى الآية ١٣٨ من آل عمران : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) أي لمن أراد أن يتقي الله ٩٠ ـ (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) وظيفة الرسول أن يبلّغ رسالة ربّه مع معجزة تشهد بصدقه ، وما تجاوز محمد (ص) هذا الحد المحدود ، فدعا إلى الإسلام أول ما دعا عشيرته وقومه ، وتحداهم بالقرآن ،