١٦ ـ (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) الخطاب من بعض فتية أهل الكهف لبعض ، وضمير الغائب «هم» لقوم الفتية ، والمعنى قال بعض الفتية لبعض : ما دمتم قد تركتم قومكم ، وأيضا تركتم الأصنام التي يعبدونها من دون الله ، والمشار إليها بقولهم : (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) أي غير الله ، ما دمتم على هذا (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) حيث لا نملك مقرا سواه (يَنْشُرْ) يبسط (لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) ما زال الكلام للفتية (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) أي ترتفقون به ، من الرفق ، وعندئذ دخلوا الكهف ، وأوكلوا أمرهم إلى الله راضين بما يختاره لهم.
١٧ ـ (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ) تنحرف (عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ) تعدل عنهم (ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي في مكان واسع من الكهف ، فقد كان كبيرا ، وله كوة ينفذ منها الهواء الطيب ونور الشمس وكانت الشمس لا تصل إلى أجسامهم لا عند طلوعها ولا عند غروبها. لأنهم كانوا في مكان من الكهف لا يصل إليه نورها. (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) كأهل الكهف ، سلكوا طريق الهداية ، فأخذ الله بيدهم (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) كالذين أرادوا التنكيل بأهل الكهف. وخير تفسير لهذه الآية قول الإمام علىّ (ع) : من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها لا زاجر ولا واعظ ... ومن له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.
١٨ ـ (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) باب الكهف ، كانت عيونهم مفتوحة كأنها تنظر إلى الأمام وأجسادهم طرية يجري الدم في عروقها ، يتقلّبون من جنب إلى جنب ، وكلبهم بفناء الكهف أو بابه باسط ذراعيه كأنه الحارس الأمين (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) لأنهم في وضع غير مألوف أو لأنه تعالى أحاطهم بصور من المهابة وفي كتاب التسهيل لعلوم التنزيل تأليف محمد بن أحمد الكلبي : أن معاوية بن أبي سفيان لما غزا الروم مرّ بالكهف ، فأراد الدخول إليه ، فقال له ابن عباس : لا تستطيع ذلك ، إن الله قال لمن هو خير منك : لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ، فبعث معاوية إليهم ناسا ، فلما دخلوا الكهف بعث الله ريحا فأحرقتهم.
١٩ ـ ٢١ ـ (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) استمروا في نومهم ٣٠٩ كما يأتي في الآية ٢٥ ثم أيقظهم سبحانه من نومهم الطويل ليتساءلوا عن مدة نومهم ، ويزدادوا إيمانا بالله وبالبعث (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) حين استيقظوا من النوم تساءلوا عن أمده : أيوما كان أو بعض يوم؟ ثم تركوا ذلك إلى علمه تعالى ، وفي شتى الأحوال فإن قول من قال منهم : يوما أو بعض يوم ، يومئ إلى أنه لم يتغيّر فيهم شيء على الإطلاق كطول الشعر والأظفار كما زعم بعض المفسرين وإلا لم يكن لهذا التساؤل أو القول من معنى (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) الدراهم المضروبة ، وكانت معهم حين خرجوا إلى الكهف (إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) أحسوا بالجوع فاختاروا واحدا منهم ليشتري لهم طعاما